“الميناميلزم” حركة فنية تحولت إلى أسلوب حياه
كتبت د: سوسن العوضى
فى العصر الحالي بدأت المادة تطغي علي القيم والأفكار التي تجعلنا سعداء، فنظن أنه حين تكون لدينا سيارة فارهة أو حين نشتري المزيد و المذيد من الملابس من ماركات عالمية سنصبح أكثر سعادة، أو أن الزواج الناجح لابد أن يبدأ بحفلة زواج باهظة التكاليف أو غيره من مظاهر الترف.
لكن في حقيقة الأمر هذه الأشياء يمكن ان تسبب لنا ضغوطات زائدة في حياتنا ،كما انها تذيد من مخلفاتنا وبصمتنا الكربونية وتقلل من عمر موارد هذا الكوكب.
فهل يعني ذلك أن لا تشتري أشياء غالية و أن لا تكتسب المزيد من المال؟
بالطبع لا ،لكن لابد أن تفعل هذا عن وعي لتجعل حياتك أكثر بساطة و سهولة كما يقول المثل الفرنسي: la simplicité c’est la beauté (الجمال في البساطة)
“البساطة والوضوح والوحدة: هذه هي السمات التي تمنح حياتنا القوة والحيوية والفرح لأنها أيضًا علامات للفن العظيم “. – ريتشارد هولواي
وتقول الإحصائيات أن العالم يهدر سنوياً 222 مليون طن من الغذاء، بحسب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، وهي كمية تكفي لإطعام جوعى العالم، وفي إحدى الدول العربية، يهدر الفرد الواحد سنوياً 427 كيلوغراماً، أي ما يعادل 13 مليار دولار سنوياً، بينما يهدر الفرد في فرنسا 22 كيلوغراماً سنوياً ، وهي الأعلى على مستوى العالم ،وتقل الأرقام في الدول الاسكندنافية. وتؤكد منظمة الفاو أن ثلث الغذاء المنتج على مستوى العالم يتم إهداره!
أما الملابس والسلع المعمرة والأثاث فهناك أرقام مرعبة عن كمية الاستهلاك البشري، الذي يصيب بالصدمة من حيث آلاف الأطنان التي تهدر سنوياً، وبنظرة بسيطة يمكن أن ينظر كل منا إلى الملابس التي يمتلكها، وهل فعلاً يحتاج إلى كل هذه الملابس والأحذية؟ هل يحتاج إلى كل هذه المفروشات؟
لذلك ظهر “الميناميلزم“او “التقليلية” في اللغة العربية كأحد الحركات الفنية في الرسم فى أواخر الستينات لكنها مع الوقت شملت كل جوانب الحياه.
فالمينيماليزم هو مبدأ عام في الحياه، متعلق بالسلوك البشري تجاه الأشياء والموارد التي نملكها ونستخدمها.
فالشخص البسيط او ال”minimalist “هو من يفعل شيئا أو أكثر مما يلي حتى يتضح لكم أكتر معني البساطة أو التقليلية هنا:
-يشتري ما يحتاجه فقط ، فلا يفكر بأن هذه القطعة يمكن أن تصلح للشتاء القادم…وهو ما يعطيك مساحة أرحب في بيتك تجعله أقل قلقا او توترا.
-يقلل من ملابسه من ناحية العدد والكمية وعدد مرات الشراء.
-البعض من متبعي هذا المنهج يحاولون التقليل من مخلفاتهم، بمعني يقللون إستخدامهم للبلاستيك (خصوصا غير القابل للتحلل، مثل بلاستيك قوارير المياه). ويحاولون إستعمال منتجات قابلة لإعادة الإستخدام reusable مثل البلور و أكياس القماش و السعف.
و هو اتجاه في الminimalism إسمه “zero waste “وعلي الرغم من صعوبته إلا انه من أكتر المبادئ التي يتحرر أصحابها من أي شيء متعلق بالمال أو الشراء، ومن أكثر المبادئ حفاظًا على البيئة،فنحن نعلم جميعا أزمة المخلفات لاسيما المخلفات الصلبة والبلاستيك و خطورتها على البيئة وعلى الصحة ،كما ان العديد من مظاهر الترف والرفاهية مثل الأجهزة الكهربائية الذائدة عن الحاجة تساعد بشكل كبير في ذيادة الإحتباس الحراري الذى يشكل تهديدًا كبيرا على كل كائنات كوكب الأرض.لذلك فإن التبسيط والتقليلية لن يساعد فقط سلامك الذهني و النفسي و يحررك ماديًا و إقتصاديًا،بل إنه يدعم إستدامة موارد هذا الكوكب بشكل كبير .
و هناك عدة أفلام وثائقية تتناول هذا الموضوع مثل وثائقى بعنوان” العيش البسيط”
الذي يتحدث عن شخص اسمه “سداد أُوجالْ”، الذي وهو رجل في الخامسة والثلاثين من عمره يعيش في إسطنبول و يتمتع بدخل جيد وحياه مريحة، قرر التوقف دقيقة، وبدأ بمحاسبة ما تفرضه عليه الحياة،فوصل إلى نقطة أوقف فيها وأسرته مشاهدة التلفاز ، فلا يستخدم بطاقة الإئتمان ، لا يستهلك أيّ غذاء يحتوي على منكهات أو مواد حافظة أو تطيل مدة الصلاحية. وهكذا يدخل في وتيرة صعبة لتشكيل النمط البديل لنفسه ضد القوة المهيمنة التي تكوّن عقلية المجتمع الحديث.