مقالات

أزمة النفايات في لبنان إلى الواجهة مجدداً… معالجات ترقيعية وحلول في اللحظات الأخيرة 

في خضم المشاكل اليومية التي يعيشها المواطن اللبناني وتكدس همومه اليومية، تبقى أزمة المخلفات ضمن الأولويات، خاصة أن تاريخ هذا الملف ليس بجديد في لبنان ومرتبط بالصراعات السياسية. وما يحدث اليوم هو أن الأزمة الاقتصادية الحالية دفعت بالعديد من محدودي الدخل إلى تغيير نظرتهم إلى ملف النفايات، ليجدوا فيها مصدر رزق لهم من خلال جمع المواد البلاستيكية والكرتون والمعادن بهدف إعادة بيعها.  

“أحمد” أحد سكان منطقة الغبيري في ضاحية بيروت، أضطر خلال الأزمة الحالية وبعد اغلاق المحل الذي كان يعمل به انتقل إلى جمع المواد البلاستيكية والمعادن من النفايات وبيعها إلى تجار يقومون بإعادة تدويرها، حيث يتراوح سعر الطن من البلاستيك بحوالي 370 دولار أميركي، بينما طن الكرتون فيقدر بنحو 100 دولار. 

منذ ساعات الصباح الأولى يبدأ ابن 17 عاماً نهاره بالتجول بعربته المهترئة على المكبات المنتشرة في المناطق بهدف جمع ما تيسر من مواد يمكن بيعها، ليتراوح مدخوله اليومي كحد أقصى 100 ألف ليرة لبنانية (أي 5 دولارات بحسب سعر الصرف للسوق الموازي). 

عائلات عديدة وجدت بإعادة التدوير إما مصدر رزق لهم أو مدخول إضافي، فبعض الجمعيات تستقبل مواد يمكن إعادة تدويرها مقابل قواسم شرائية من بعض المتاجر، وهي وسيلة ساهمت بتخفيض نسبة النفايات في لبنان والتي تراجعت خلال الأزمة الاقتصادية الحالية حوالي 40 في المئة بحسب تصريح سابق لوزير البيئة ناصر ياسين لـ”النهار”.  

الأزمة الاقتصادية الحالية ساهمت بإعادة التدوير إلى اجندة العديد من العائلات، حيث أصبحت النفايات تفرز من قبل بعض الشبان في المكبات الكبرى، ما تسبب بوقوع العديد من الاشكالات بين “التجار”، على تقسيم النفايات فيما بينهم، وهو ما حصل في مطمر الجديدة عندما اقدم عدد من الشبان على اضرام النار في النفايات بعد خلاف وقع على الكميات المقسمة بينهم، مما استدعى مناشدات للقوى الأمنية بحماية بعض المطامر من الاشكالات التي تحصل.

الاستفادة من المواد المفرزة أصبحت وسيلة اضافية للدخل لدى بعض العمال، خاصة الأجانب منهم، “فألسي” وهي شابة من التابعية الأثيوبية، بدأت مع زوجها بجمع البلاستيك والكرتون وما تيسر من المباني المجاورة لسكنها في عين الرمانة، ومن مكعبات النفايات، لبيعها لبعض التجار في منطقة الغبيري، وهي وسيلة يمكن أن تضيف لمدخولهم ما يقارب 100 دولار شهرياً.

ولكن على المقلب الآخر يجمع الخبراء أنه رغم الجهود المبذولة من قبل وزارة البيئة الحالية لحل أزمة النفايات في لبنان عبر وضع استراتجية وطنية، إلا أن الحمل الثقيل والمتعاقب لعقود من الأزمة جعل أمام حلول ترقيعية مع انتشار المكبات العشوائية بوتيرة كبيرة، وتكدس النفايات في المناطق بين الفترة والأخرى نظراً لارتفاع تكاليف رفعها من قبل البلديات، فعلى سبيل المثال كانت بعض البلديات ترفع النفايات 3 مرات يومياً قبل أزمة المحروقات، ومع ارتفاع الأسعار أضطرت إلى رفع النفايات 4 مرات أسبوعياً.  

المطامر العشوائية لا تعد ولا تحصى  

ترى الخبيرة البيئية الدكتورة فيفي كلاب، أن الأزمة الحالية تتفاقم يوماً بعد يوم، حيث أن المطامر العشوائية لا يمكن احصائها، ويمكن أن تكون تجاوزت الألفين مكب، مع انتاج حوالي 5 آلاف إلى 7 آلاف طن من النفايات يومياً، وهو رقم كفيل بإعادة النظر إلى طريقة معالجة تلك الأزمة المتعاقبة منذ سنوات.  

ورأت “كلاب” أن مطمر الجديدة والذي شارف على الوصول إلى قدرته الاستيعابية القصوى دون وجود أي بديل سيعيد مشهد النفايات إلى الطرقات قريباً، ومع ارتفاع الصرخة ستلجأ الدولة إلى الحلول الترقيعية كما حدث في السنوات الماضية عبر السماح بتوسيع المطمر، بينما الحل بإعادة تشغيل معامل الفرز المنتشرة في لبنان البالغ عددها 75 معملاً لمعالجة النفايات، العدد الأكبر منها متعثر، وبينها 20 معملاً نصفها متعثر أيضاً، ممولة من الاتحاد الأوروبي بإدارة مشروع إدارة النفايات الصلبة في مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية.  

وكما مطمر الجديدة فإن مطمر الكوستبرافا في بيروت شارف على الوصول لقدرته الاستيعابية القصوى، ما يعني العودة مجدداً إلى الأزمة السابقة، في حال عدم ايجاد طرق بديلة لحل الأزمة عبر إعادة تشغيل معامل الفرز والتسبيغ، والاستفادة من المواد المعاد فرزها، لتصبح هذه الآلية مهمة الدولة بدل الجمعيات البيئية المحدودة والمبادرات الفردية التي في نهاية المطاف تبقى محدودة.  

ورغم سوداوية المشهد إلا أن بعض الخبراء البئيين يشيدون بالدور الذي يلعبه وزير البيئة لمعالجة الأزمة، من خلال رؤية وزارة البيئة لكيفية تطبيق الإستراتجية الوطنية لإدارة النفايات الصلبة والوصول إلى إدارة كاملة ومستدامة لهذا القطاع، وكيفية الإنتقال من المكبات العشوائية إلى المطامر الصحية، إضافة إلى ترميم معامل الفرز للتخفيف عن المطامر ولتتوجه إليها 40 في المئة من النفايات الصلبة غير القابلة للفرز في المطامر. وهذا من شأنه أن يحلّ جزءًا من المشكلة وفق خطة الوزارة.  

ورغم الاستراتجية ومطالب وزارة البئية بفرض رسوم مباشرة استناداً لكمية النفايات التي تنتج لتغطية كلفة جمع النفايات، إلا أن المشكلة الأساسية أيضاً تكمن في دفع مستحقات الشركات الملتزمة برفع النفايات، حيث تقدر كلفة رفع النفايات ونقلها 30 دولاراً للطن الواحد، فيما الدولة تدفع للشركات عبر شيك مصرفي لا تتجاوز قيمته الفعلية 5 بالمئة من كلفة الطن الواحد، مما يشكل عائقاً أمام الشركات المشغلة والتي تتكبد تكاليف مرتفعة قياساً بما تتاقضيه من الدولة، إضافة إلى المشكال المتكررة أمام مكبات النفايات مع جامعي النفايات التي يمكن إعادة تدويرها، وهو ما دفع بعض سائقي الشاحنات إلى رفض رفع النفايات في بعض المناطق مطالبين بمؤازرة أمنية لتجنب الاحتكاكات وهي حجة للمماطلة لرفع النفايات، تضاف إلى المشكلة الأساسية عبر دفع مستحقاتهم رغم الثروات الهائلة التي جمعها المتعهدون خلال سنوات عبر تقاضي بدل 135 دولار للطن الواحد مقابل فرزه وطمره بطريقة صحية فيما كانت تكدس بطريقة عشوائية في المطامر.  

ورغم أن أزمة النفايات في لبنان تطفو على الواجهة كل عدة أشهر نتيجة تكدس النفايات على الطرقات، وتنسى بعد رفعها وطمرها دون معالجة، وفي حال استمر الوضع عليها وبالطريقة المتبعة من كافة الجهات المعنية فإن لبنان أمام أزمة اساسية حقيقة يتم تجاهلها مع وصول المطامر إلى قدرتها الاستيعابية القصوى وانتشار المكبات العشوائية واقفال معامل الفرز، وعند أول امتحان من هذا النوع ستلجأ الدولة إلى الحلول الترقيعية عبر تكديس الآلاف من الأطنان بطريقة عشوائية دون معالجة بحجة تراكم النفايات في الشوارع.  

تم إعداد هذا التحقيق ضمن مبادرة MediaLab Environment، مشروع للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى