مقالات

التغيرات المناخية وتداعياتها على حركات النزوح والهجرة

يتضح من البيانات الاقتصادية والاحصاءات المرتبطة بمستوى النمو خاصة في الدول النامية والفقيرة؛ أن الفقر وقلة الموارد اصبحا دافعين رئيسيين في توافد العديد من الفئات الى الهجرة والفرار من غلواء الاوضاع المعيشية التي لا تستطع أن تكفل فيها النظم المسؤولة الاحتياجات الاساسية للمواطنين، فاصبح مواجهة الموت غرقاً بين تلاطم امواج البحر في الزوارق المطاطية املاً في العبور الى اوروبا اهون علي العديد من مواجهة الموت جوعاً بين حدود بلدانهم، وذلك ما تطالعنا به المصادر الاعلامية وهيئات الاغاثية الانسانية عن الضحايا الأفارقة المهاجرين الذين تلقي الأمواج بجثثهم علي شواطئ البحر المتوسط أو تبادر سفن الاغاثة علي مشارف الحدود الساحلية الأوروبية بإنقاذهم، ويبين الشكل رقم (1) معدلات الهجرة داخل القارة الأفريقية ومنها.

 

وفي تقريره حول اتجاهات الهجرة الافريقية وضح مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجي أن قوى الشد والجذب تدفع الهجرة الافريقية الى التزايد، ولقد تضاعف عدد المهاجرين الموثقين داخل المنطقة الافريقية وخارجها تقريباً منذ عام 2010 م ما يعني استمرار اتجاه عقدين من التوسع في حالات الهجرة الافريقية المدفوعة بعدة عوامل في كل بلد؛ وتتمثل هذه العوامل في:

  • النزاعات والحكم القمعي والفرص الاقتصادية المحدودة، كما أن (9) من أهم (15) دولة افريقية ينشأ منها المهاجرون في حالة نزاع.

  • سكان شمال أفريقيا يشكلون غالبية المهاجرين الى أوروبا، وتضم المراكز الثلاثة الأولى المغرب والجزائر وتونس أكثر من (11) مليون مهاجر أفريقي في أوروبا.

وقد أعرب تقرير مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين في يونيو 2021 م عن اعداد اللاجئين والنازحين علي مستوى العالم قد وصل الى رقم غير مسبوق في التاريخ؛ إذ وصل العدد الى نحو (82,4 مليون) شخص عام 2020 م هذا الرقم يمثل أكثر من (1%) من سكان العالم؛ ما يعني أن (1%) من سكان العالم علي الاقل اضطروا الى الفرار من محال اقامتهم المعتادة الى اماكن اكثر امناً، ومن المقرر أنه قد اضطرت الغالبية العظمى من اللاجئين والنازحين الى الفرار بسبب تعرضهم للاضطهاد والانتهاكات الناجمة عادة عن النزاعات المسلحة والصراعات السياسية والعرقية, بالإضافة الى العوامل الطبيعية والكوارث البيئية الناتجة عن سوء ادارة الموارد الطبيعية، وكذلك بسبب التغيرات المناخية.

 

ولا يُغفل العنصر الأمني في أزمة النزوح؛ وهذا لا يعني أن الأفراد النازحين هم أنفسهم تهديد، فقد أوجدت الزيادة الكبيرة في الأشخاص المتنقلين فرصة للجماعات الإجرامية والمتطرفة العنيفة في منطقة الساحل والصحراء الافريقية للوصول الى مصدر دخل جديد من خلال الإتجار بالبشر، وبالتالى فإن العلاقة بين ضعف الحكم وادارة موارد البلاد والقهر يساهم في تفاقم الهجرة والتطرف العنيف، والتغير المناخي عامل مساعد في تأجيج الصراعات والتي تعد محرك رئيس للنزوح البشري في القارة، وتمثل عدد (6) بلدان فقط حالة نزاع أكثر من (75%) من جميع اللاجئين وطالبي اللجوء والمشردين داخلياً بسبب النزاع في دول أفريقيا وذلك في جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديموقراطية والصومال والسودان وإثيوبيا ونيجيريا.

 ففي الآونة الأخيرة شهد البحر المتوسط نحو (176,406) محاولة عبور من مهاجرين وطالبي لجوء من سواحل دول شمال أفريقيا وتركيا الى السواحل الأوروبية حيث توفي أو فقد نتيجة تلك المحاولات نحو (23,150) مهاجراً وطالب لجوء حتي ديسمبر/ كانون أول 2021 م، في الوقت الذي تزداد فيه حوادث الغرق ومعها أعداد الضحايا من المهاجرين وطالبي اللجوء، وما يزال الاتحاد الأوروبي يفتقر لإطار قانوني لما يتعلق بعمليات البحث والانقاذ وإنزال المهاجرين وطالبي اللجوء في الوقت الذي يعمل فيه بشكل مستمر علي تعقيد اجراءات اللجوء من أجل الحد من وصول طالبي اللجوء، ويحدث ذلك بينما تعقد دول أوروبا صفقات مع دول المصدر وتستمر بتجريم المنظمات غير الحكومية التي تعمل علي إنقاذ الأرواح في البحر المتوسط.

فمن ناحية تعيد الدول الأوروبية المهاجرين وطالبي اللجوء عبر البحر المتوسط قسراً الى دول غير آمنة مثل ليبيا لوقف التدفق غير النظامي للمهاجرين وطالبي اللجوء من دول ثالثة بغض النظر عن الظروف الأليمة لعمليات الاعادة القسرية والظروف المهينة وغير الانسانية التي يعيشها المهاجرون وطالبو اللجوء في مراكز الاحتجاز في دول المصدر، ومن ناحية أخرى؛ يفرض عديد من دول الاتحاد الأوروبي منذ سنين قيوداً إدارية وقضائية علي المنظمات الانسانية غير الحكومية التي تعمل على إنقاذ ومساعدة المهاجرين وطالبي اللجوء الذين تقطعت بهم السبل في عرض البحر المتوسط؛ علي سبيل المثال فقد اتخذت المانيا واليونان وإيطاليا ومالطا وهولاندا وإسبانيا (58) اجراء اداري أو جنائي ضد قوارب إنسانية في الفترة ما بين عام 2016 م حتي يونيو/ حزيران 2021 م، تضمنت اجراءات ضد أفراد الطواقم أو السفن بأكملها وتقييد الوصول الى الشواطئ وتأخير الانزال وترك الاشخاص الذين تم انقاذهم في البحر لأكثر من (24) ساعة في انتظار النزول لمكان آمن مما يؤدي الى عرقلة أنشطة الانقاذ وتدهور اوضاع المهاجرين وطالبي اللجوء أو وفاتهم أو اختفاءهم في البحر.

وفيما يختص بقضايا اللجوء والنزوح فتمثل افريقيا رقماً قياسياً تجاوز ربع الرقم العالمي، بالرغم أن هؤلاء النازحين واللاجئين لا زالوا داخل القارة ولكن ذلك يسبب ضغطاً كبيرا علي الدول المستقبلة وكذلك انتقالهم من مناطق مضطربة الى اخرى لا تنفك فيها الاضطرابات، وبالنسبة للهجرة خارج قارة افريقيا تتصدر جمهورية مصر العربية قائمة الدول المهُاجَر منها الى دول أخرى يليها دولة المغرب وجنوب السودان والسودان والصومال والجزائر وجمهورية الكونغو الديموقراطية ونيجيريا وبوركينا فاسو ومالى، وتعد هذه الدول ضمن (16) دولة أفريقية اكثر معدل في الهجرة الخارجية كما هو موضح بالشكل رقم (2).

 

وتتمثل الهجرة خارج افريقيا عمليات نزوح لها تداعياتها الخطرة والتي ساهمت العوامل الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية والبيئية عميقة الجذور في زيادة الضغط علي الأسر الافريقية مما يزيد من معدل الهجرة الاقتصادية، وذلك يمثل أحد أعراض الاختلال والذي يشكل في ذاته ضغوطاً علي المجتمع الدولي، وقد تستمر كوارث المناخ في زيادة عوامل الضغط التي تتسبب في مزيد من الهجرة، فقارة افريقيا يواجه العديد من بلدانها معدلاً متسارع لأحداث الكوارث الطبيعية مقارنة ببقية دول العالم، ويتوقع البنك الدولي أن يكون هناك (68 مليون) مهاجر بسبب تغير المناخ الأفريقي بحلول عام 2050 م، وقد يجد نحو (18 مليون) عامل مهاجر موسمي في أفريقيا مهنهم في الزراعة والتعدين وصيد الاسماك آخذة في الاختفاء؛ مما يزيد من احتمالات الهجرة الدائمة، فقد أبلغ (30%) من مواطني غرب ووسط افريقيا والإثيوبيين عن تأثيرات بيئية علي ظروفهم الاقتصادية.

المصدر
مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية 2022المرصد الاورومتوسطي لحقوق الانسان 2022ادارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة

د. حسني أحمد

دكتوراه تنظيم المجتمع كلية الخدمة الاجتماعية التنموية جامعة بني سويف – باحث مستقبلي بوحدة الدراسات المستقبلية كلية الاعلام جامعة القاهرة – مهتم بالدراسات المستقبلية والاستشراف والهندسة الاجتماعية – محاضر اكاديمي وخبير البيئة والتغير المناخي - كاتب وصحفي – نشر العديد من المؤلفات العلمية الاكاديمية والثقافية والعديد من الاوراق العلمية الابحاث المحكمة والمنشورة بالمجلات العلمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى