Demo

يواجه القطاع الزراعي عدّة معوقات ومشاكل تحول دون تحقيق الأهداف المرجوّة، أهمّها تحقيق الأمن الغذائي، وتتعلق هذه المعوقات بعدّة جوانب كالموارد الزراعية، والإنتاج والتسويق، والآثار الناتجة عن تغير المناخ في المنطقة مثل ندرة المياه، والتصحر وارتفاع درجات الحرارة.

 

بحسب تقارير دورية صادرة عن “الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغّير المناخ”، من المتوقع أن تزداد حالة الجفاف ومعدل التبخّر المرتفع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتصبح إحدى أكثر المناطق عرضةً لتأثيرات تغير المناخ، ممّا سوف يؤدّي إلى انعدام الأمن الغذائي.

 

وفي عام 2012، شدّدت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في مؤتمرها الإقليمي لمنطقة الشرق الأدنى على ضرورة حماية الموارد الطبيعية الشحيحة والمعرّضة للخطر وإدارتها والتكيّف مع التغيّر المناخي. وتعد إدارة الموارد الطبيعية وسبل ادامتها بشكل مستدام من أهم المهام الآنية والمستقبلية في المنطقة العربية التي تواجه تحدّيات بيئية مختلفة، وذلك لأسباب لا تتعلق بتغير المناخي فقط، بل تتعلق أيضاً بالضغط الهائل على الموارد جراء التطور الاقتصادي، السكاني والعمراني.

 

تدفع كل تلك العوامل بلدان المنطقة للبحث عن سبل مستدامة لضمان الغذاء، بخاصة أن التوقعات العلمية بشأن مناخ المنطقة تشير إلى تحديات مستقبلية من شأنها تعريضها للمزيد من القحط المائي، ومن بين الحلول والمبادرات، برزت الزراعة الذكية مناخيًا لتسهم في إغناء المناقشات الجارية بشأن الزراعة المستدامة والأمن الغذائي. 

 

ما هي الزراعة الذكية مناخياً؟

عَرفت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، الزراعة الذكية مناخيًا بأنها النهج الذي يساعد على توجيه الإجراءات اللازمة لتحويل وإعادة توجيه النظم الزراعية لدعم التنمية بصورة فعالة وضمان الأمن الغذائي في وجود مناخ متغير. ويرى اتحاد الغرف العربية، أن الزراعة الذكية مناخياً عبارة عن نهج يهدف إلى تطوير وتحسين منظومة الزراعة، وهي تعتمد على الوسائل والآليّات الزراعية الحديثة التي من شأنها زيادة الانتاجية والجودة دون استنزف الموارد الطبيعية مثل نظام الممارسات الزراعية الجيدة، ونظم الزراعة الحيوية والعضوية التي بدورها تعتمد على التسميد الحيوي والعضوي لتحسين الأراضي الزراعية والموارد الطبيعية للأراضي، وكذلك تحسين نوعيّة المنتج الزراعي النهائي.

 

قوة الزراعة الذكية مناخيًا

يقول الدكتور سمير مسعود أستاذ الأنظمة البيئية بقسم البيئة والزراعة الحيوية في كلية الزراعة بجامعة الأزهر، أن الزراعة الذكية مناخيًا هي نظام حديث يعتمد على استخدام التكنولوجيا المتقدمة في زراعة المحاصيل عن تلك التي عهدها الإنسان في الزراعة التقليدية، كما أنها تساهم في اقتصاد وترشيد استخدام الموارد الطبيعية لا سيما استخدام المياه عن طريق الممارسات الزراعية الجيدة، كما أنها تعتمد على نظم وإدارة تحليل المعلومات لاتخاذ أفضل قرارات الإنتاج الممكنة بأقل تكاليف.

 

كما أشار “مسعود” في عرضه خلال معرض صحاري الدولي، إلى أن الزراعة الذكية مناخيًا تعتمد على استخدام أقل مساحة من الأرض والمياه للحصول على أفضل إنتاج من المحاصيل المستهدفة وذلك لتحقيق إنتاج زراعي مستدام مع الحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، كما تعمل الزراعة الذكية على خفض الغازات الضارة بالبيئة إلى أدنى حد ممكن والتكيف من التغيرات المناخية.

 

لماذا الزراعة الذكية مناخيًا ؟

تتمثل أهمية الزراعة الذكية مناخيًا في تحقيق الأمن الغذائي والتغذية المحسنة، وتعمل على تعزيز الزراعة المستدامة، والمحافظة على الموارد الطبيعية ورفع كفاءتها، وخفض التكاليف والاستخدام الأمثل للموارد الزراعية، وإدخال بعض المحاصيل الجديدة في المنظومة الزراعية مثل الكسافا والكينوا.

 

ويؤكد الدكتور سمير مسعود، أن التغيرات المناخية تعمل على خلل في درجات الحرارة بالارتفاع أو الانخفاض وهو ما يصيب النبات بأمراض غير متوقعة، وهو ما حدث لعدد من محاصيل هذا العام في مختلف ربوع مصر، الأمر الذي ساهم في خسارة للمزارعين وقلة في الإنتاج الزراعي كما حدث في محاصيل الطماطم  والمانجو والزيتون، كما أن الغمر والأمطار الشديدة والسيول تؤدى إلى تدهور المحاصيل والأراضي الزراعية، كما أن ظواهر مثل الأعاصير والرياح الشديدة تؤدى إلى كسر الأشجار وتقليع النباتات، كما أن قلة المياه وحدوث جفاف وتملح التربة كلها مشاكل زراعية نواجها بكثرة حاليًا.

 

وتابع، أن هذه المشاكل لا تؤثر على الإنتاج النباتي فقط، وإنما يصل مدى تأثير هذه المشاكل إلى الإنتاج الحيواني، باعتباره أحد عناصر الإنتاج الزراعي، ونرى مثلا تعرض الطيور إلى النفوق نتيجة درجات الحرارة غير المناسبة، وهو ما يؤدى إلى انعدام الأمن الغذائي.

 

ضرورة التحول

أشار “مسعود”، إلى أن التحول إلى الزراعة الذكية مناخيًا أصبح ضرورة ملحة في الوقت الراهن وذلك لزيادة عدد سكان العالم عما كان عليه سابقًا وهذا يتطلب توفير الغذاء اللازم، ولعدم قدرة أساليب الزراعة التقليدية على مجابهة الظروف المناخية القاسية ولابد من أنظمة جديدة، كما أن التحول بهدف المحافظة على الأراضي الصالحة للزراعة خاصة مع تفاقم المشاكل الناتجة عن تغير المناخ؛ ويؤكد الأكاديمي: من بين المقترحات والمبادرات التي نقدمها للمزارعين لمجابهة التحديات، ضرورة العمل على زيادة إنتاج الغذاء مع الحافظ على البيئة من جانب، واستخدام الموارد الطبيعية بشكل رشيد من جانب آخر.

 

وبالنسبة لمصر، فإن قطـاع الزراعـة والغابـات وغيـر ذلـك مـن اسـتخدامات الأراضـي، مسـئول عـن حوالـي 14.9 ٪ مـن غـازات الدفيئـة الوطنيــة، وذلك وفقًا للتقرير المحدث كل سنتين والمقدم إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. ونتيجة تحليل البيانات في التقرير ذاته تمت الإشارة إلى انخفاض مجمـوع انبعاثـات القطـاع فـي 2015 بنسـبة 7% عمـا كان عليـه فــي عــام 2005، ومــن الأسباب الرئيســية لهــذا الانخفاض فــي اســتخدام الأسمدة.

 

انخفاض الغازات فى قطاع الزراعة بمصر
انخفاض الغازات فى قطاع الزراعة بمصر

 

مصر 2030

من جانبه أكد الدكتور أيمن فريد أبو حديد، وزير الزراعة الأسبق، أن إنتاج الزراعة يتعرض لكثير من المشاكل بسبب تغير المناخ، كما أن هناك مشاكل أخرى كسوء إدارة الأراضي الزراعية، وضعف الإنتاجية، لذا قامت مصر بوضع استراتيجية لتنمية الزراعية المستدامة في مصر 2030، تتوافق في الأهداف والرؤى المقترحة مع الأهداف العالمية للتنمية المستدامة. وتستهدف الاستراتيجية تعزيز الأمن الغذائي وتحسين التغذية بشكل صحي وآمن مع تعزيز الزراعة المستدامة والقضاء على الفقر في المناطق الريفية وتحسين مستوى المعيشة وزيادة القدرات التنافسية للصادرات الزراعية وخلق فرص للتشغيل خاصة للشباب والمرأة.

 

ويتوقع الدكتور سمير مسعود، أن تكون الزراعة الذكية مناخيًا، الحل الأمثل للتغلب على التحديات التي تواجه قطاع الزراعة، وذلك عن طريق رفع كفاءة استخدام الموارد الزراعية، وزيادة الإنتاج الزراعي مما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي والمحافظة على الموارد الطبيعية واستدامتها من جهة أخرى، إضافة إلى أهميتها في التغلب على الآثار السلبية للتغيرات المناخية.

 

تم إعداد هذه القصة ضمن مبادرة MediaLab Environment، وهو مشروع للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFI. 

Leave A Reply