مقالات

يوم البيئة العالمي 2024

إحلال السلام البيئي في زمن النزاعات

قال الله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} (الأعراف: 56).

تلهمنا هذه الآية الكريمة لنفكر في مسؤوليتنا الجماعية نحو الحفاظ على البيئة؛ إن يوم البيئة العالمي ليس مجرد مناسبة احتفالية، بل هو دعوة للعمل العاجل لحماية كوكبنا؛ حيث تتواجه المناطق المنكوبة بالنزاعات بتحديات بيئية عميقة تفاقمت نتيجة الاستخدام غير المسؤول للموارد الطبيعية وتدمير البنية التحتية؛ النزاعات المستمرة تسببت بإلحاق أضرار هائلة بالبيئة، حيث تم تدمير المناطق الخضراء وتلويث المياه و التربة بالمواد الكيميائية والمخلفات الصناعية وهذه التدميرات بدروها تؤثر بشكل كبير على التنوع البيولوجي وتقلل من إمكانية تعافي البيئة بعد انتهاء هذه النزاعات؛ يوم البيئة العالمي لعام 2024 لا بد أن يسلط الضوء على هذه التحديات، خاصة في ظل النزاعات المستمرة والإبادات الجماعية، حيث يتسبب القتال في تدمير البيئة بشكل لا يمكن إصلاحه بسرعة؛ أطلقت الأمم المتحدة يوم البيئة العالمي في 5 يونيو 1973 وهو أكبر منصة عالمية للتوعية البيئية حيث يشارك الملايين حول العالم في هذا اليوم لتشجيع التحولات نحو عادات استهلاكية أكثر استدامة والتأثير على السياسات البيئية؛ في عام 2024، تتزامن احتفالات هذا اليوم مع الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD)؛ كما وتحتضن المملكة العربية السعودية 2024 هذا الحدث العالمي الهام، متمحورة حول موضوع “استصلاح الأراضي، ومقاومة التصحر والجفاف” تحت شعار “أرضنا مستقبلنا”؛ في هذا اليوم، تتحد الجهود لتتمكن الأرض من استعادة حيويتها وضمان مستقبلا مستداما للأجيال القادمة.

تشير تقارير اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إلى أن 40% من أراضي الكوكب تعاني من التدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ؛ فمنذ عام 2000 ازدادت مدة حالات الجفاف بنسبة 29%، وإذا لم يكن هناك إجراءات عاجلة قد تؤثر حالات الجفاف على أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم بحلول عام 2050؛ مثل هذه التحديات تتطلب تحركا فوريا وفعالا لاستعادة الأراضي وتعزيز قدرة المجتمعات على التكيف مع التغيرات المناخية؛ الهند، على سبيل المثال، شهدت جفافا شديدا في عامي 1987 و 2002، مما أدى إلى ندرة المياه وفشل المحاصيل وانتشار سوء التغذية؛ في الولايات المتحدة، تسببت عاصفة الغبار (1930-1940) في تدمير الأراضي الزراعية وتدهور الصحة العامة؛ تبرز هذه الأمثلة أهمية التحرك الفوري لاستعادة الأراضي وتعزيز قدرة المجتمعات على التكيف مع التغيرات المناخية؛ لذلك من أهداف يوم البيئة العالمي تحفيز الأفراد والمجتمعات والحكومات للعمل معا من أجل استعادة الأراضي المتدهورة، والحد من التصحر، وبناء مقاومة للجفاف؛ هذه الجهود تتماشى مع عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظم البيئية (2021-2030)، الذي يدعو لحماية وإحياء النظم البيئية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

يمثل يوم البيئة العالمي 2024 دعوة ملحة للعمل الجماعي من أجل حماية كوكبنا وضمان مستقبل مستدام من خلال استعادة الأراضي ومكافحة التصحر وبناء مقاومة للجفاف وضمان بيئة صحية للأجيال القادمة من خلال عدة توصيات تتمثل في إعادة التشجير واستعادة الموائل الطبيعية أي الاستثمار في زراعة الأشجار وإعادة التشجير لتعزيز التنوع البيولوجي ومكافحة التغير المناخي وهذه الخطوات تساهم في إعادة إحياء النظم البيئية المتضررة وزيادة قدرة الأراضي على امتصاص الكربون؛ كما أن تقنيات زراعية مستدامة باستخدام أصناف المحاصيل المقاومة للجفاف وطرق الري المبتكرة، مثل الري بالتنقيط والزراعة المائية، للحفاظ على الإنتاج الزراعي وتقليل استهلاك المياه تساعد في مواجهة التحديات المرتبطة بتغير المناخ وشح الموارد المائية؛ إدارة النفايات وتقليل التلوث من خلال تعزيز حملات التوعية لتقليل استهلاك البلاستيك وتشجيع إعادة التدوير، للحفاظ على النظم البيئية المائية والحد من التلوث ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال سياسات حكومية فعالة وتعاون المجتمع المدني؛ ولا يمكننا إغفال التعاون الدولي لدعم الجهود المحلية لحماية البيئة في المناطق المنكوبة بالنزاعات وتبادل المعرفة والخبرات في مجال استعادة الأراضي ومكافحة التصحر، وتوحيد الجهود لتحقيق نتائج فعالة ومستدامة ويشمل ذلك الشراكات بين الحكومات والمنظمات الدولية والقطاع الخاص والمجتمعات المحلية؛ و نأتي إلى التوصية التي تعتبر حجر الأساس لتحقيق ما سبق وهي التعليم والتوعية للمجتمعات و الاستثمار في برامج التعليم والتوعية البيئية لنشر المعرفة حول أهمية الاستدامة وتعزيز السلوكيات الصديقة للبيئة؛ اختم بقول العالم البيئي الأمريكي البارز ديفيد أور “البيئة ليست مجرد مكان نعيش فيه، إنها شيء نصنعه بأفعالنا”؛ كيف يمكن لحماية البيئة أن تكون عاملا حاسما في تحقيق السلام والاستقرار في المناطق المتضررة من النزاعات؟ وهل فعلا من الممكن أن يتحد العالم لإحلال السلام البيئي في زمن النزاعات؟

بيان صبحه

باحث ماجستير في دراسات السلام والصراعات/ الجامعة الهاشمية في الأردن. رسالة الماجستير "تأثير تغير المناخ على العلاقات الدولية والأمن المائي". كاتب محتوى في جريدة الدستور/الأردن، وبارديس نيوز في دبي؛ حول قضايا المناخ وتأثيرها على تصاعد الصراعات والأمن المائي كطرف آخر من الصراع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى