المنتجون يتحملون المسؤولية: مصر تمضي نحو نظام تعبئة وتغليف صديق للبيئة

في خطوة رائدة نحو ترسيخ مبادئ الاقتصاد الدائري، نظّمت الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) في مصر، بالتعاون مع وزارة البيئة وجهاز تنظيم إدارة المخلفات (WMRA)، جلسة تشاورية لمناقشة مشروع قرار رئيس مجلس الوزراء بشأن تطبيق نظام المسؤولية الممتدة للمنتِج (EPR) في مجال مواد التعبئة والتغليف.
يهدف هذا النظام إلى إلزام الشركات المنتجة والمستوردة بتحمل المسؤولية الكاملة عن دورة حياة مواد التغليف بعد استخدامها، بدءًا من مراحل الجمع وإعادة التدوير وصولًا إلى التخلص الآمن منها. ويعكس هذا التوجه التزام مصر المتزايد بتقليل النفايات، وحماية البيئة، وتعزيز التحول نحو اقتصاد دائري يعيد استخدام الموارد بدلاً من استهلاكها بشكل خطي يؤدي إلى الهدر.
نحو اقتصاد دائري ومستدام
انعقدت الجلسة تحت شعار “نحو اقتصاد دائري ومستدام” بمشاركة ممثلين من القطاع الخاص، وجمعيات المنتجين، وشركاء التنمية. ناقشت الجلسة الخطوات العملية لتطبيق نظام المسؤولية الممتدة للمنتِج في مصر، بما في ذلك تطوير الأنظمة الرقمية لتتبع مواد التغليف، وتصميم النماذج المالية الكفيلة بتحفيز الالتزام، وتنفيذ مشروعات تجريبية تُظهر فرص التطبيق الواقعي للنظام.
افتتح الجلسة الأستاذ ياسر عبد الله، الرئيس التنفيذي لجهاز تنظيم إدارة المخلفات، إلى جانب حضور قيادات من برنامج التحول الأخضر والبرنامج الوطني لإدارة المخلفات الصلبة في GIZ، من بينهم الأستاذ أندرياس روب، والدكتور حازم الزنان، والمهندسة شيرين علي.
نص قرار رئيس مجلس الوزراء حول المسؤولية الممتدة للمنتج
وفقًا لما جاء في الجريدة الرسمية المصرية (قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 662 لسنة 2025)، فقد نص القرار في مادته الأولى على أن:
تُعد أكياس التسوق البلاستيكية المنتجة والمستوردة طبقاً للمواصفة القياسية المصرية رقم “3040” من المنتجات ذات الأولوية التي تخضع للمسؤولية الممتدة للمنتج طبقاً لقانون تنظيم إدارة المخلفات رقم 202 لسنة 2020.
وألزم القرار المُنتجين والمستوردين بالإجراءات الآتية:
-
تسجيل بيانات المنشأة لدى النظام الوطني لإدارة المعلومات والبيانات الخاصة بالمخلفات.
-
تقديم بيان ربع سنوي بالكميات المبيعة إلى النظام الإلكتروني الوطني.
-
سداد مبلغ قدره 37.5 جنيه لكل كيلو جرام من أكياس التسوق البلاستيكية المباعة في السوق المحلي، مقابل قيام الجهة الإدارية بالتخلص الآمن من المخلفات الناتجة.
وتودع حصيلة هذه المبالغ في حساب جهاز تنظيم إدارة المخلفات لتطبيق إجراءات وضوابط التخلص الآمن من النفايات، مع التزام الجهاز بتقديم تقرير سنوي لمجلس الوزراء حول نتائج التطبيق.
من جانبها أكدت، الدكتورة شيماء الشرقاوي، رئيس مجلس إدارة معهد فالكون للدراسات الاستراتيجية، ورئيس قطاع البيئة الإقليمي بالإتحاد العربي للمرأة المتخصصة بجامعة الدول العربية، أن تطبيق نظام المسؤولية الممتدة للمنتِج (EPR) في مصر يمثل خطوة محورية نحو تسريع الانتقال إلى اقتصاد دائري فعّال ومستدام. ومع ذلك، فإن هذه المنظومة الحديثة تواجه مجموعة من التحديات الجوهرية التي ينبغي التعامل معها لضمان نجاحها على أرض الواقع.
وأردفت “الشرقاوي”، أن هناك عدد من التحديات الرئيسية، والتي يمكن التغلب عليها ايضا، وتشمل:
- غياب البنية التحتية الكاملة لإدارة المخلفات وإعادة التدوير في بعض المحافظات، مما يستلزم الاستثمار في سلاسل الجمع والمعالجة.
- الحاجة إلى أنظمة رقمية فعّالة لتتبع منتجات التغليف، وهو ما يتطلب تعاوناً تقنياً بين القطاعين العام والخاص.
- ضعف الوعي والجاهزية لدى جزء من الشركات، خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة.
- تحديد آليات مالية عادلة ومحفزة لضمان الالتزام دون خلق أعباء غير متناسبة على السوق.
وتابعت “الشرقاوي” للتغلب على تلك التحديات، فإنه يجب التركيز على: تطوير البنية التحتية، وتقديم حوافز للشركات الملتزمة، وبناء قدرات المؤسسات الصناعية، إلى جانب حملات تعريفية وتدريبية لضمان فهم آليات النظام ومتطلباته، كما أشارت: أن تطبيق نظام المسؤولية الممتدة للمنتِج (EPR) لا يفرض التزامات مالية فقط؛ بل يدفع الشركات لإعادة التفكير جذريًا في تصميم منتجاتها وتغليفاتها عبر الاعتماد على مواد قابلة لإعادة التدوير، وتقليل حجم ووزن التغليف، وتبني حلول مبتكرة صديقة للبيئة، وتعزيز ممارسات الاستدامة عبر سلسلة القيمة بالكامل، وبالتالي، يصبح تصميم المنتج جزءًا من الاستراتيجية البيئية للشركة وليس مجرد خطوة إنتاجية.
دعم مستمر للتحول الأخضر
من خلال البرنامج الوطني لإدارة المخلفات الصلبة (NSWMP)، تواصل GIZ دعم جهود الدولة المصرية لتحسين إدارة المخلفات وتعزيز مسؤولية المنتجين في مختلف القطاعات، بما يسهم في بناء منظومة متكاملة للاقتصاد الدائري. يُمَوَّل البرنامج بشكل مشترك من الاتحاد الأوروبي والحكومة الألمانية، وينفذ بالشراكة مع وزارة البيئة المصرية.
يُعتبر هذا البرنامج جزءًا من التوجه الوطني لتفعيل قانون إدارة النفايات رقم (202) لسنة 2020، الذي يضع إدارة النفايات ضمن أولويات التنمية البيئية في مصر. وقد أسهم البرنامج في دعم تطوير القدرات المؤسسية للهيئات الحكومية، وتقديم التدريب الفني، وتمكين رواد الأعمال الخضراء ومنظمات المجتمع المدني من إطلاق مبادرات مبتكرة لإدارة الموارد والمخلفات بطريقة صديقة للمناخ.
خلفية السياق المصري
تُنتج مصر نحو 100 مليون طن من النفايات سنويًا، منها أكثر من 20 مليون طن من النفايات البلدية. وعلى الرغم من الجهود المستمرة في جمع وإدارة هذه المخلفات، فإن نسب الجمع لا تزال متفاوتة بين الحضر والريف، وهو ما يبرز الحاجة إلى أنظمة أكثر تكاملاً وشراكة أوسع مع القطاع الخاص.
من هذا المنطلق، يعزز تطبيق نظام المسؤولية الممتدة للمنتِج مبدأ “الملوِّث يدفع”، ويحفّز الشركات على تصميم منتجات أكثر استدامة وتغليف أكثر قابلية لإعادة التدوير، ما يسهم في تقليل التلوث وخلق فرص اقتصادية خضراء جديدة.
شراكات فاعلة للمستقبل
يرتكز تنفيذ النظام الجديد على نهج تشاركي يجمع بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، لضمان بُنية مؤسسية فعالة تمكِّن مصر من تحقيق طموحاتها في التحول إلى اقتصاد دائري يعزز النمو الأخضر، ويواكب التوجهات العالمية في الحد من تغير المناخ.
واختتمت “الشرقاوي”، أن هناك الكثير من الفوائد الاقتصادية والبيئية طويلة المدى لتطبيق نظام EPR في مصر، ومنها، خفض معدلات التلوث وتقليل النفايات المتسربة للبيئة، وتعظيم الاستفادة من الموارد وتقليل الهدر، وخلق فرص عمل خضراء في مجالات الجمع وإعادة التدوير والابتكار الصناعي، ورفع تنافسية الصناعة المصرية لتتوافق مع المعايير البيئية العالمية، وتشجيع الاستثمار في التكنولوجيا وإدارة النفايات.




