مقالات

افريقيا ولعنة الموارد بين الصراع الداخلي والنفوذ الدولي

فقر القارة السمراء وسط وفرة الموارد ..

من المفارقات أن قارة أفريقيا غنيّة بالموارد، بل الأغنى بالموارد في العالم، فمن بين الحادي والعشرين معدن المعروفين؛ فإن الخمسة الأعلى لديها من حيث التصدير هي النفط الخام وسائر المنتجات النفطية والغاز الطبيعي والماس والفحم، إلا أن وفرة الموارد المعدنية والبشرية في أفريقيا والثروة الهائلة الناتجة عنها لم تترجم إلى تدني معدل الفقر أو إلى نمو اقتصادي طويل المدى أو تحسن مستوى معيشة غالبية الأفريقيين، ومفارقة الفقر وسط الوفرة هذه بما يصفها المحللون (لعنة الموارد الطبيعية) يُعزى في جزء كبير منه إلى سوء إدارة الموارد الطبيعية من جانب النخب الحاكمة الفاسدة وضعف الدولة وعدد من العوامل الخارجية التي قد تتعمد وضع دول أفريقيا في مستوى لا يتيح لها الالتحاق بالركب المتقدم، كما دول أوروبا وشرق آسيا.

 

فقارة أفريقيا القارة الوحيدة التي تكون نسبة تأثير المناخ على تآكل اليابسة فيها محدود للغاية بخلاف قارة أوروبا والأمريكيتين وأستراليا؛ مما يساهم في تدافع القوى العالمية العظمى إلى بسط النفوذ الدبلوماسي أو الاقتصادي أو العسكري إن لزم الأمر في عدة مناطق من دول أفريقيا، والدافع الرئيس لذلك إيجاد موارد بديلة لتلك التي قد يعصف بها تغير المناخ في دول الغرب الأوروبي ودول آسيا والولايات المتحدة الأمريكية، فقد أصبحت دول أفريقيا بمثابة الخزينة الآمنة لثروات الكوكب من موارد الطاقة والوقود والغاز الطبيعي واليورانيوم والألماس والذهب وغيرها من الموارد الطبيعية، ومجاري الأنهار العذبة وما حولها من مساحات شاسعة يمكن استصلاحها وما تملكه من المكون البشري ذو الخصوبة المتقدمة، وكذلك السيطرة على الممرات المائية والموانئ الاستراتيجية، هذه الموارد عرضة للنفاذ والاستهلاك في دول الغرب وهذا ما يوضح التسابق والتنافس الدوليين الذي سمحت فُرقة البيت الأفريقي ونزاعاته وتعقد أزماته بتدخله وبسط نفوذه في توجيه شؤون القارة.

 

تجتمع كل هذه العوامل مضاف إليها ما تواجهه العديد من دول القارة السمراء البرية والبحرية من أزمات وكوارث متعلقة بالتغيُّر المناخي، فهذه الكوارث تعد عاملاً مساعدًا في تفاقم هذه الأزمات في سياقات الاضطرابات السياسية غير المتوقفة، فمؤشرات الاضطراب السياسي وعدم استقرار الحكم تعتبر محبطة، فنجد أن ثماني دول من بين الدول العشر الأولى الأكثر اضطرابًا سياسيًا في العالم أفريقية السودان والصومال وزيمبابوي وتشاد وساحل العاج والكونغو الديموقراطية وغينيا وجمهورية أفريقيا الوسطي.

وباستعراض الصراع في قارة أفريقيا، وشرق أفريقيا على الأخص، يتضح أنه صراع سياسي محدد ومتطور من العنف الذي يربط بين الرعاة والميليشيات والجريمة المنظمة والنخب السياسية والأسواق والنماذج المناخية المتغيرة.

 

إن هشاشة دول أفريقيا ما بعد الاستعمار التي دلت عليها الانقلابات العسكرية التي غيّرت ثلاثة أرباع الأنظمة منذ عام 1965م جعلت من الأصعب على الفئات الحاكمة مقاومة مثل هذه التبعية، وسياسات الثورة بطريقة الجيش أحاطت بالقرن الأفريقي، وجعلت العسكريين يلعبون الدور السياسي الرئيس في أثيوبيا والسودان والصومال، وكان هذا ناجمًا جزئيًّا عن ضغوط المسألة القومية، ولكن؛ في الوقت نفسه فإن اللامساواة وسوء الإدارة الاقتصادية والفساد والافتقار العام للتنظيم الصحيح للأولويات سمح بقيام خطوط جديدة للتقسيم الاجتماعي والصراع.

 

فقد شهدت أفريقيا ما بين عام 1965م – 2006م حروبًا وصراعات لم تشهدها منطقة أخرى في العالم، فقُدر رقم الحروب والصراعات (74) مقارنة بآسيا (68) والشرق الأوسط (32) وأوروبا (32) والأمريكيتين (26)، ناهيك عن التغيرات في الأوضاع السياسية في الفترة ما بعد 2011م وما تتعرض له أفريقيا من النزاعات التي لحقت بدول الشمال الأفريقي والانفلاتات الأمنية والانقلابات العسكرية، وجنوبًا من صراعات داخلية فرضت انقسامات بين العديد من دولها منها انقسامات إعادة ترسيم حدود الدول المنقسمة، وأيضًا انقسام ضمني لا تنقطع صراعاته الاثنية والعرقية، وتعد العديد من دول أفريقيا ضمن الدول الأقل في مؤشر الدول الأقل سلامًا عالميًا عام 2021م، وتتصدر دولة أفريقيا الوسطى دول أفريقيا الأقل سلامًا تليها ليبيا والكونغو والصومال وجنوب السودان، وتتصدر دولة قطر الدول الأكثر سلامًا في الدول العربية وتكون دولة اليمن أقل دولة في ترتيب مؤشر السلام العالمي، كما هو موضح بالشكل أدناه، الذي يوضح دول العالم ومستويات السلام بها.

 

(شكل رقم (1) يوضح مؤشر السلام العالمي مستويات السلام عام 2021م)

اللافت للانتباه تزايد وتيرة التنافس في العديد من مناطق أفريقيا ما بين قوى تقليدية بحكم الحقبة الاستعمارية؛ مما جعل هذه الدول تستأثر بنفوذ سياسي واقتصادي وأمني في العديد من المناطق، وأخرى تلعب أدوارًا اقتصادية واستثمارية مهمة في القارة الأفريقية، وإضافة إلى ذلك تنامي صراع النفوذ على شرق وغرب أفريقيا بعد وجود أطراف جدد في هذا التنافس مثل الصين، وذلك من خلال مشاريعها التنموية الضخمة، وكذلك بروز دور تركيا والهند وغيرهما كفاعلين اقتصاديين، فضلاً عن عودة ظهور الفاعل الروسي بقوة سياسيًّا، حيث تتنافس هذه القوى على الموارد الأفريقية والثروات الطبيعية الهائلة.

المصدر
مركز التقدم العربى للسياساتتقرير مؤشرات الدول الاقل سلام ACLED (2021)

د. حسني أحمد

دكتوراه تنظيم المجتمع كلية الخدمة الاجتماعية التنموية جامعة بني سويف – باحث مستقبلي بوحدة الدراسات المستقبلية كلية الاعلام جامعة القاهرة – مهتم بالدراسات المستقبلية والاستشراف والهندسة الاجتماعية – محاضر اكاديمي وخبير البيئة والتغير المناخي - كاتب وصحفي – نشر العديد من المؤلفات العلمية الاكاديمية والثقافية والعديد من الاوراق العلمية الابحاث المحكمة والمنشورة بالمجلات العلمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى