Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

القلق المناخي: مرض العصر الذي يهدد مستقبلنا

جيل القلق..

يشهد العالم اليوم تغييرات مناخية متسارعة تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة، وذوبان الجليد، وارتفاع مستوى سطح البحر، وزيادة حدة الظواهر الجوية المتطرفة.

هذه التغيرات ليست مجرد أرقام في التقارير العلمية، بل هي واقع ملموس يؤثر بشكل مباشر على حياتنا اليومية. ومن بين الآثار النفسية التي ترافق هذه التغيرات، يبرز ما يعرف بالقلق المناخي.

تشكل هذه الظاهرة مشكلة متزايدة في العالم اليوم، حيث يشعر العديد من الأفراد بالمخاوف والقلق بشأن الأثر المباشر للتغيرات المناخية على حياتهم ومستقبلهم.

فمع تصاعد حرائق الغابات، وزيادة حدة الفيضانات، وارتفاع درجات الحرارة، يصبح من الطبيعي أن يتزايد الإحساس بالانزعاج وعدم اليقين.

ولتأكيد هذه المخاوف، تظهر الأبحاث والدراسات باستمرار دلائل واضحة على ارتباط نتائج التغير المناخي بعدد من الأزمات الإنسانية والاجتماعية.

إن ارتفاع مستويات سطح البحر يهدد المجتمعات الساحلية ويزيد من عدد النازحين البيئيين، حيث يتعين على آلاف الأسر مغادرة منازلها نتيجة الفيضانات أو التآكل المستمر لشواطئها.

في الوقت ذاته، تؤدي التغيرات الملحوظة في أنماط الطقس إلى زيادة تواتر وشدة العواصف، مما ينعكس سلباً على البنية التحتية والمرافق العامة ويهدد سبل المعيشة.

بالإضافة إلى هذه الآثار الفيزيائية، ينطوي القلق المناخي على آثار نفسية عميقة لا يمكن تجاهلها.

إن الانشغال المستمر بالمستقبل الذي تؤثر عليه التغيرات البيئية، وما يصاحبه من شعور بالعجز، يؤدي إلى فقدان الشعور بالأمان والاستقرار.

كثيرون يعيشون في حالة من القلق المزمن أو يشعرون بعدم القدرة على مواجهة المخاطر التي تلوح في الأفق.

تتفاوت استجابة الأفراد لهذا التهديد، حيث يميل البعض إلى الانخراط في العمل البيئي ساعين لإحداث تغيير إيجابي، بينما يجد آخرون أنفسهم محاصرين في حلقة مفرغة من الخوف والقلق.

وبالتالي، فإن فهم القلق المناخي يعتبر خطوة أساسية نحو بناء مجتمعات أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع هذه التحديات.

ما هو القلق المناخي؟

القلق المناخي هو حالة من القلق الشديد والمتكرر بشأن تغير المناخ وآثاره على الكوكب والمجتمع. يشعر الأشخاص الذين يعانون من القلق المناخي بالخوف من مستقبل الكوكب وأجيال المستقبل، وقد يعانون أيضاً من مشاعر الذنب والإحباط بسبب عدم قدرتهم على فعل الكثير لتغيير الوضع. يعرف العلماء “القلق المناخي” بأنه حالة نفسية تتجلى في الشعور بالخوف والقلق الشديدين تجاه تغير المناخ وآثاره المدمرة.

 

تأثير ارتفاع منسوب مياه البحر على المدن الساحلية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ارتفاع منسوب سطح البحر
أسباب القلق المناخي:
1. تزايد الوعي بالمخاطر: مع تزايد التغطية الإعلامية لتغير المناخ، أصبح الناس أكثر وعياً بالمخاطر التي يواجهها كوكبنا.
2. الشعور بالعجز: يشعر الكثيرون بالعجز أمام هذه المشكلة الكبيرة والمعقدة، مما يزيد من شعورهم بالقلق واليأس، وفي دراسة أجريت على أكثر من 1000 شخص، ذكر 53% منهم أنهم يشعرون بالعجز عن إحداث تغيير فعّال لمواجهة مشكلة التغير المناخي.
3. التأثير على الحياة اليومية: يتسبب تغير المناخ في حدوث اضطرابات في الحياة اليومية، مثل الفيضانات والجفاف وارتفاع أسعار المواد الغذائية، مما يزيد من الشعور بالقلق وعدم الاستقرار.
4. الخوف على المستقبل: يشعر الكثيرون بالخوف على مستقبل أطفالهم وأحفادهم، مما يزيد من حدة القلق المناخي.
ووفقًا لدراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية، حوالي 67% من الشباب (من الفئة العمرية 18-24) في عدة دول، ذكروا أنهم يشعرون بالقلق بشأن تغير المناخ ونتائجه. هذه النسبة تشير إلى مدى انتشار هذا القلق بين الأجيال الشابة.
كما خلصت دراسة أخري نُشرت في مجلة علم النفس البيئي أن حوالي 58% من المشاركين في الدراسة (من 10,000 شخص في 10 بلدان) أبلغوا عن شعورهم بالقلق أو الاكتئاب نتيجة للأخبار المتعلقة بالمناخ.

 

آثار القلق المناخي:
– مشاكل صحية: قد يؤدي القلق المناخي إلى ظهور مشاكل صحية مثل الأرق، واضطرابات الأكل، والاكتئاب.
– تدهور الأداء: يمكن أن يؤثر القلق المناخي سلباً على الأداء الأكاديمي والمهني والعلاقات الاجتماعية.
– الشعور بالعزلة: قد يشعر الأشخاص الذين يعانون من القلق المناخي بالعزلة والوحدة، نظراً لعدم وجود من يفهم ما يمرون به.

 

تأثير التصحر على الأراضي الزراعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
تأثير التصحر على الأراضي الزراعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
كيف نواجه القلق المناخي؟
1. التعرف على المشكلة: من المهم فهم أسباب القلق المناخي وآثاره.
2. التحدث عن المشاعر: يساعد التحدث مع الأصدقاء والعائلة أو الاستعانة بمعالج نفسي في تخفيف حدة القلق.
3. التركيز على الحلول: بدلاً من التركيز على المشكلة، يجدر بنا التركيز على الحلول والعمل على إيجاد طرق للمساهمة في مكافحة تغير المناخ.
4. العناية بالنفس: ممارسة الرياضة، وتناول الطعام الصحي، والحصول على قسط كافٍ من النوم يمكن أن يحسّن الصحة النفسية.
جيل القلق في الشرق الأوسط
في ظل التغيرات المناخية السريعة التي يشهدها العالم اليوم، يُعَدّ شباب الشرق الأوسط من بين الفئات الأكثر تأثراً بهذه الظواهر.
مع تزايد درجات الحرارة وتواتر الكوارث الطبيعية كالأعاصير والجفاف، أصبح هناك مصدر قلق دائم لدى هذا الجيل بشأن مستقبلهم.
هذا القلق لا يقتصر فقط على الظروف البيئية، بل يتعداها إلى جوانب حياة عدة، مثل الأمن الاجتماعي والاقتصادي، والقدرة على تحقيق الأحلام والطموحات.
تعاني العديد من البلدان في الشرق الأوسط من ظواهر مناخية حادة، رغم أن انبعاثاتها الكربونية قد تكون أقل بكثير من تلك التي تُنتجها الدول الصناعية الكبرى.
على سبيل المثال، بينما تُعاني دول أوروبا من تحديات بيئية قوية نتيجة لسياساتها الصناعية، فإن دولاً مثل العراق وسوريا ومصر تواجه مشاكل مائية وحرارية تهدد استدامة الحياة فيها، على الرغم من أنها قد لا تُعتبر مسؤولة بنفس القدر عن هذه الانبعاثات.
دور وسائل التواصل الاجتماعي
تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً محورياً في تشكيل وعي الشباب بالقلق المناخي.
فهي تمثل منصة لنشر الوعي والتوعية بالمخاطر المحدقة بالكوكب، وفي الوقت نفسه يمكن أن تساهم في زيادة الشعور باليأس والعجز لدى الشباب، خاصة عند عرض صور كارثية عن التغير المناخي دون تقديم حلول عملية.
على الرغم من التحديات التي يواجهها الشباب، إلا أن هناك العديد من المبادرات الناجحة في المنطقة التي تهدف إلى مواجهة التغير المناخي.
تشمل هذه المبادرات مشاريع زراعية مستدامة، حملات إعادة التدوير، مبادرات لتوليد الطاقة المتجددة، وبرامج توعوية، ومجالس شبابية عربية، وتجمعات شبابية في عدد من البلدان في المنطقة.
إذ خلصت دراسة في جامعة كولومبيا أن 64% من الأمريكيين، على سبيل المثال، يشعرون بقلق دائم من الأخبار والبرامج الوثائقية المتعلقة بتغير المناخ، مما يسير بشكل مباشر إلى تأجيج مشاعر القلق.

 

إن القلق المناخي يمثل تحدياً حقيقياً يواجه المجتمع الدولي، ولكنه ليس نهاية المطاف. من خلال التوعية والتعاون، يمكننا التغلب على هذا التحدي وحماية كوكبنا لأجيال المستقبل.
إذ تمثل الحلول المستدامة والتعاون الفعّال بين الأفراد والحكومات والمجتمعات المحلية الطريق نحو مستقبل أكثر أمانًا واستدامة.

أحمد سبع الليل

صحافي ومدرب على صحافة المناخ مؤسس منصة المناخ بالعربي عضو مجلس الشباب العربي للتغير المناخي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى