مقالات
الكهرباء في لبنان لمن استطاع إليها سبيلا
كتب: علي عواده
“سأستقبل فصل الصيف بلا كهرباء، بعدما استقبلت شهر رمضان على ضوء الشمعة” بهذه العبارة لخصت مهى من منطقة حي السلم في ضاحية بيروت حالها لدى سؤالها عن أزمة الكهرباء في لبنان، بعدما قررت وقف اشتراك الكهرباء مع مولد الحي بعد رفع تسعيرته إلى مليون وثلامئة ألف ليرة لبنانية لتأمين 9 ساعات فقط يومياً، فيما راتب زوجها لا يتعدى المليون ونصف المليون ليرة.
قصص كثيرة تصادفها من الشارع اللبناني لمعاناته مع أزمة الكهرباء، بعد تعذر الدولة عن تأمين سوى 3 ساعات يومياً من الكهرباء، ليصبح أصحاب المولدات الخاصة يتحكمون بساعات التغذية عبر مافيات تضيق الخناق على المناطق ورقاب المواطنين في ظل غياب أي رقابة أو محاسبة من قبل الدولة، لتصل أسعار الاشتراكات إلى أرقام خيالية لا يقدر على سدداها إلا ميسور الحال، بينما معدومي الدخل أضطروا إلى قطع الاشتراك والاكتفاء بثلاث ساعات كحد أقصى من الدولة، على حلم تحسين ساعات التغدية.
حال مهى كحال العديد من العائلات، التي لم تستطيع دفع فاتورة كهرباء المولد، لتلجأ إلى حلول بديلة، إما الاستعانة ببطارية مستعملة لتأمين النور لبضع ساعات، أو اللجوء إلى تقسيط الفاتورة لصاحب المولد أو “استدانة الكهرباء” من خلال توصيل شريط من أحد الجيران لتأمين الاضاءة عبر المصباح.
قرار مهى بوقف اشتراك الكهرباء قد يضطر إلى اللجوء إليه ماهر وهو موظف في قوى الأمن الداخلي لا يتعدى راتبه 75 دولار والذي أجبر على تخفيض المولد إلى 2.5 أمبير لتشغيل براد صغير الحجم، ليبحث عن طرق بديلة لتأمين الكهرباء ولكن ليس في اليد حيلة، فالحلول البديلة كالطاقة الشمسية مكلفة ويتطلب تركيبها الدفع بالدولار الأميركي حصراً.
الوصول إلى الكهرباء في لبنان أصبح من الكماليات ولأصحاب الدخل المتوسط، بعدما أصبحت التغذية اليومية لمدة 4 ساعات من قبل الدولة هو إنجاز، فتحول أصحاب المولدات إلى المصدر الأساسي لتأمين الكهرباء وبأسعار خلاية بعدما وصل تسعيرة الـ5 أمبير (5 وات) إلى 3 ملايين ليرة لبنانية (حوالي 125 دولار أميركي).
أعداد مولدات الكهرباء بحسب رئيس تجمع أصحاب المولدات الخاصة عبدو سعادة بلغت 3500 مولد كبير الحجم، تؤمن حوالي 22 ساعة كهرباء يومياً، تستهلك حوالي 3 مليون ليتر من المازوت، بينما أرقام المولدات الخاصة الصغيرة لا تعد ولا تحصى.
تكشف نجاة عون صليبا، مديرة مركز حماية الطّبيعة وأستاذة مادّة الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت، أنّه “منذ 10 سنوات، كان يقتصر استخدام مولّدات الكهرباء لمدّة تصل إلى 3 ساعات يوميا، وهذا ما يزيد نسبة تعرُّض السكان لملوّثات خطيرة في الهواء إلى 38 بالمئة، ومع ارتفاع ساعات التقنين فإن نسبة تعرُّض السّكان لملوّثات خطيرة في الهواء بنحو 5 أضعاف الرّقم القديم”.
وبحسب صليبا يصدر عن المولدات، غازات وجزيئات وذرّات سامة هي عبارة عن خليط من الغبار وثاني أوكسيد النيتروجين وثاني أوكسيد الكبريت وثاني أوكسيد الكربون وهيدروكربونات عطرية متعددة الحلقات، هذه الانبعاثات تتركّز في مناطق مكتظّة بالسكان وطرق ضيقة تخلو من الممرات الهوائية التي تساعد في تبعثرها وتجدّد الهواء. وقد زادت مستويات الانبعاثات السامة في الهواء بنسبة 300 في المئة أخيراً بسبب تشغيل المولدات لساعات طويلة، لنصبح أمام كارثة صحية حقيقية ما لا يتم ايجاد حلول سريعة.
بديل للمولدات
الابتزاز الحاصل من قبل أصحاب المولدات كالحصول على التعرفة بالدولار أو التقنين القصري، بحجة أرتفاع أسعار طن المازوت والذي وصل إلى 1300 دولار في السوق السوداء، دفع باللجوء إلى الطاقة الشمسية حلاً لبعض مسيوري الدخل ففي سنة 2021 تم تركيب 100 ميغاوات على شبكة الكهرباء وحدها بحسب الخبير في مجال الطاقة أحمد الضاهر، فيما التوقعات بأن يتم تركيب حوالي 300 ميغاوات في لبنان في العام 2022 مع تفاقم الأزمة، حيث أن الاعتماد على الطاقة الشمسية يعتبر مميزاً في لبنان مع 300 يوم مشمس في السنة، بالاضافة إلى أن الحرارة في لبنان تعتبر معتدلة ولا تؤثر على الألواح الشمسية فالحرارة المرتفعة تؤثر سلباً عليها، فأصبحت الطاقة الشمسية من الحلول الفردية المعتمدة لتأمين الكهرباء، في ظل تعثر الدولة عن تأمين الطاقة.
ورأى الضاهر أن الاعتماد على الطاقة المتجددة لتأمين الكهرباء هي جزء من حل وليست الحل، فالطاقة المتجددة هي طاقة متقطعة تتأثر بالمناخ والوقت والفصول، وبالتالي هي ليست طاقة ثابتة، ولا إمكانية لمقارنتها بمعامل الإنتاج التقليدية، مطالباً بإيجاد حل سريع من قبل الدولة لإستيعاب الشبكة الكم الهائل من الاعتماد على الطاقة الشمسية في لبنان.
كلفة تركيب طاقة شمسية
تصل كلفة نظام يولد حوالي 5 أمبير إلى 3000 دولار أميركي، ويتضم 4 ألواح بقدرة توليد 450 كيلوواط لكل لوح مع محول كهربائي بقدرة 3 كيلوواط بالاضافة إلى بطاريتين بقدرة 12 فولت لكل بطارية، والأسعار ترتفع بالطبع بحسب حاجة كل منزل.
في إستطلاع أجراه معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، بين تموز وآب2021 شمل 20 شركة تعمل في مجال تركيب نظام طاقة شمسية تبين تلقيهم نحو 6700 طلب لتركيب نظام طاقة شمسية ليبصر 516 منها النور فقط بسبب التكلفة المرتفعة.
عدد كبير من العائلات لجأ إلى بديل الطاقة الشمسية كحل فردي بحسب الضاهر، رغم إقرار الحكومة مؤخراً للخطة الوطنية للنهوض المستدام بقطاع الكهرباء، والتي تهدف لجعل الطاقة المتجددة تساهم في 30 في المئة من استهلاك الكهرباء بحلول عام 2030، مع تركيب 4 آلاف ميغاوات من مزارع الطاقة الشمسية، وحوالي ألف ميغاوات من مزارع الرياح، بحسب وزير الطاقة وليد فياض.
من الخارج هي بداية جيدة لدولة مثل لبنان تعاني من إنهيار القطاع ولكن على أرض الواقع وجهت أسئلة كثيرة من قبل الخبراء عن جدية الدولة فالخطة مثلاً حددت جدولاً زمنيّاً لتعيين الهيئة الناظمة نهاية 2022، بالإضافة إلى تشركة مؤسسة كهرباء لبنان (فصل الانتاج والنقل والتوزيع) بين عامي 2022 و2026، وغيرها من التساؤلات حول إمكانية الوصول للاعتماد على 30 في المئة من الطاقة البديلة، ما يعني الانتقال إلى المشاريع الضخمة لا الحلول الفردية التي تحتاج إلى تمويل غائب في الفترة الحالية.
تأمين الطاقات البديلة يواجه العديد من المشاكل بحسب مستشارة سياسات الطاقة لدى الحكومات والمنظمات الدولية في الشرق الأوسط بمجال الكهرباء، جيسيكا عبيد، والتي رأت أن الدولة اللبنانية بدأت بمشاريع تأمين الطاقة كمشروع طاقة الرياح في محافظة عكار والذي كان يهدف قبل سنوات إلى تأمين 220 ميغاوات، إلا أن الانهيار الاقتصادي وحجز أموال المودعين في المصارف فرمل مشاريع الدولة لجذب المستثمرين.
ورأت عبيد أن خطة الحكومة للاعتماد على الطاقة البديلة بنسبة 30 في المئة خلال 8 سنوات فقط تعتبر صعبة، خصوصاً أن الانهيار الاقتصادي مستمر، معتبرةً أن كل ما يتعلق بالطاقة البديلة في لبنان يواجه مشكلة التمويل، كما أن الشبكة المهترئة والاعتداءات على الشبكة يتطلب صيانة ومشاريع تمديد جديدة وهو أمر غير موجود في الفترة الحالية ولا في المنظور القريب.
ومع مع غياب تأمين العدالة الاجتماعية في توزيع الكهرباء في لبنان أكان بالأصل من قبل الدولة أو من خلال تركيب الطاقة الشمسية للمقتدرين، رأت عبيد أن غياب الكهرباء يؤثر سلباً على الأنشطة الإنتاجية مع الانقطاع المتزايد للتيار، وهو ما دفع الإسكوا لتقديم ورشات تدريبية للمناطق الريفية تهدف إلى تخفيض الفاتورة الكهربائية، من خلال تقديم ارشادات، كإطفاء المصابيح عندما لا يدعو الحاجة إليها وغسل الملابس بالماء البارد قدر المستطاع، واستخدام الضوء الطبيعي وجدولة الأنشطة عندما يتوفر التيار وغيرها من الإرشادات التي قد تخفف ولو بنسبة ضئيلة المشاكل اليومية للأهالي في ظل الكلفة المرتفعة للكهرباء.
أزمة الكهرباء في لبنان والتي عمرها عقود مع معدل خسارة سنوية تقدر بـ1.6 مليار دولار، أصبحت اليوم ومع اقتراب فصل الصيف من الأهداف الصعب الوصول إليها في لبنان مع وعود من قبل الدولة بتحسين التغدية من خلال خطط مشاريع قد تواجه عرقلات سياسية رغم شروط البنك الدولي بوجود خطة مع جدول زمني محدّد قبل إقرار التمويل، ولحين تطبيق حلم الحصول على الكهرباء بشكل عادل فإن قسم كبير من اللبنانيين سيغرق في العتمة الشاملة مع استمرار الإنهيار الاقتصادي الحاصل..
*تمّ إعداد هذا التقرير ضمن مبادرة MediaLab Environment وهو مشروع للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFI