أوراق خضراء

وضع الإحصاءات البيئية في المنطقة العربية

تمثّل البيئة موضوعًا هامًا في مختلف أنحاء العالم منذ أقرّ المجتمع الدولي بأهمية الحفاظ على البيئة وحمايتها وطرحَ مسألة الاستخدام المستدام لموارد الأرض في قمة الأرض في ريو دي جانيرو في العام 1992.


فمنذ ذاك الحين، أصبحت البيئة والتنمية المستدامة أولويةً على جدول الأعمال الدولي، من خلال إطلاق الهدف السابع (ضمان شمول الاستدامة البيئية) من الأهداف الإنمائية للألفية في العام 2000، متبوعًا بجدول أعمال التنمية المستدامة 2030، ومنعكسًا إلى حدّ كبير وبشكل واضح في التوافق الذي تمّ التوصل إليه بشأن أهداف التنمية المستدامة الـ17.

من أجل تقييم نوعية البيئة والوضع الراهن فيها، بذلت الجهود على المستوى الدولي منذ العام 1992 لتعزيز المبادئ التوجيهية والمنهجيات لتطوير الإحصاءات البيئية الموحّدة والقابلة للمقارنة. وفي العام 1995، أدرجت اللجنة الإحصائية التابعة للأمم المتحدة قائمةً من المؤشرات البيئية والاجتماعية والاقتصادية ليتم جمعها من قبل شعبة الإحصاءات في الأمم المتحدة. انطلقت الجولة الأولى من جمع البيانات في العام 1999، تبعتها مرحلة تطوير وتنقية الاستبيانات في العام 2004 إلى أن تمّ وضع الاستبيان نصف السنوي بشأن الإحصاءات البيئية، عبر المبادرة المشتركة بين شعبة الإحصاءات في الأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والذي ركّز على موضوعي المياه والنفايات.

وقد شكّل هذه الاستبيان أساسًا للمبادرات التي تلت لجمع الإحصاءات البيئية على المستوى الوطني، مما شجّع بعض الدول على وضع برنامج إحصاءات بيئية أكثر تقدمًا، على أساس الاحتياجات والتحديّات الوطنية.
هذا ولا زالت الإحصاءات البيئية في المنطقة العربية قطاعًا يحتاج إلى التطوير بشكل كبير. وقد واجهت معظم البلدان التحديّات عند الإفادة عن استبيان شعبة الإحصاء في الأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. وتشير المراجعة السريعة لأهداف التنمية المستدامة إلى أنّ هذه التحديّات ستكون أكثر تعقيدًا عند الشروع بإيجاد الحلول لها.

جمع البيانات البيئية ونشرها في المنطقة العربية في الوقت الراهن غير ملائم، وغير منتظم، ولا يمكن الاعتماد عليه في بعض الأحيان، ويغطي هذا الجمع والنشر والرصد عددًا محدودًا فقط من مؤشرات البيئة، وهي بالأساس المياه (التوافر، والاستهلاك الإجمالي و/أو بحسب القطاع، والجودة)، وإدارة مياه الصرف الصحي ومعالجتها (التوليد، وكميات المعالجة، والتخلص منها)، وتلوث الهواء (مستوى السموم في الهواء المحيط في المدن)، والمناطق المحميّة (الحجم والنوع)، والأرقام القياسية (العجز المائي ومؤشر الإجهادالمائي).
وعلى الرغم من الاختلاف الكبير بين الدول العربية على مستوى توفير البيانات المتعلّقة بالبيئة، لا زالت مكاتب الإحصاء الوطنية ووزارات البيئة والمياه والزراعة وبعض المؤسسات التعليمية والخاصة المصادر الوطنية الرئيسية لهذه البيانات في المنطقة العربية.

يمكن التخفيف من حدّة التحدي المتمثّل في رصد المؤشرات أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالبيئة عبر اعتماد الإطار المنهجي لتطوير الإحصاءات البيئية والذي تمّت الموافقة عليه في العام 2013.
ويعدّ هذا الإطار منصّة لتقييم الوضع الحالي للإحصاءات البيئية على المستوى الوطني، من خلال تقييم الترتيبات المؤسساتية والمراجعة التقنية للإحصاءات المتوفّرة. وفي مرحلة ثانية، يقترح الإطار ثلاثة تصنيفات لمساعدة البلدان في تنفيذ استراتيجيات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى لجمع الإحصاءات البيئية. ومن ناحية أخرى، يمكن اعتماد نظام المحاسبة البيئية والاقتصادية المتكاملة والذي يشكّل تتمة لإطار تطوير الإحصاءات البيئية في تقييم الوضع البيئي من الناحية النقدية، وموفّرًا الأداة المثلى لوضع السياسات المستندة إلى الأدلة على المستوى الوطني.

تندرج التحديّات التي تواجه المنطقة العربية تحت ثلاثة مستويات: الإداري، والمالي، والتقني، يتمّ تقويض دور المكاتب الإحصائية الوطنية في المنطقة العربية بسبب الثقافة الرائجة بأن الإحصاءات ليست المحرك الرئيسي لوضع السياسات. ومن هنا، يشكّل تمكين المكاتب الإحصائية الوطنية شرطًا ضروري لجمع الإحصاءات الوطنية البيئية الموحّدة وتحليلها ونشرها.
بالإضافة إلى ذلك، يلعب التعاون بين المكاتب الإحصائية الوطنية والوزارات المختصة والقطاع التعليمي والخاص دورًا هامًا في تطوير الإحصاءات البيئية، مع أخذ مختلف الخبرات المتاحة بعين الاعتبار وتجنّب الازدواجية في العمل والموارد.

عطفًا على ما سبق، فإن النفقات العامة لتطوير الإحصاءات البيئية في المنطقة العربية محدودة، ويتضمن ذلك ضعف الاستثمار في الرأسمال البشري. وفي هذا الصدد، فإن الحكومات العربية مدعوّة إلى زيادة الموارد المالية والبشرية المخصصة لوحدات الإحصاءات البيئية وإلى إبرام اتفاقيات ثنائية وشراكات مع المنظمات الدولية والإقليمية والمؤسسات الحكومية والتعليمية والخاصة الأخرى. إذ تعدّ هذه الاتفاقات عاملًا أساسيا في تقليل الحاجة إلى المزيد من الموارد المالية الكبيرة.

بالإضافة إلى التحديات المالية، فإن نقص الموارد البشرية والتقنية المؤهلة في المكاتب الإحصائية الوطنية يمثّل تحديًا خطيرًا في وجه تحقيق الاستدامة في إنتاج الإحصاءات البيئية. في هذا السياق، تستطيع المكاتب الإحصائية الوطنية الاستفادة من الموارد التقنية والمالية التي يقدّمها المجتمع الدولي لتطوير أهداف التنمية المستدامة وتنفيذها، وذلك من خلال تنفيذ المشاريع المتعلقة بالإحصاءات البيئية، أو من خلال بعثات المساعدة التقنية التي يقوم بها خبراء دوليون وإقليميون مؤهلون بهدف تعزيز القدرات الإحصائية لمسؤولي المكاتب الإحصائية الوطنية.

وبالإضافة إلى ذلك، تستطيع الشراكات ما بين بلدان الجنوب تحسين النظم الإحصائية للبلدان من خلال أفضل الممارسات والدروس المستفادة المشتركة بين الدول المجاورة. علاوةً على ذلك، يمكن لبناء القدرات أن يبدأ في المؤسسة عينها وينتشر على الصعيد الوطني من خلال تبادل المعرفة بين العاملين في المؤسسات المختلفة..لا يزال على البلدان العربية أن تمرّ عبر مسار مليء بالصعوبات، ولكنه قابل للتحقيق، من أجل تطوير قطاع الإحصاءات البيئية وتحسينه عبر الاستفادة من التوجيهات والمعايير الدولية. ومن خلال اعتماد النظم الإحصائية المتينة في نهاية المطاف، ستتمكّن البلدان العربية من تعزيز الإنتاجات الموحدة والقابلة للمقارنة والموثوق بها والمحدّثة في الوقت المناسب والتي يمكن أن تخدم الأولويات الوطنية وكذلك أهداف التنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى