40 خبير وباحث علمي في مائدة مستديرة حول وضعية المياه الحرجة بالمغرب
نظمت جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ مائدة مستديرة علمية حول وضعية المياه الحرجة بالمغرب، وقد شكل هذا اللقاء التفاعلي فرصة لأربعين باحث جامعي وأكاديمي وخبراء من المجتمع المدني متخصصين في المجال البيئي والمناخي المرتبط بشأن المياه من المغرب، كما عرفت حضور السيد حسين مفتي نائب رئيس جماعة القنيطرة بصفة فاعل مدني ومهتم بالشأن المائي، وذلك من أجل تحسيس الفاعلات والفاعلين المدنيين بالوضعية المقلقة التي تعرفها المياه بالمغرب، وتعزيز قدرات الفاعلين والفاعلات المدنيات العلمية والتقنية في مجال تدبير المياه والمحافظة عليها، وتدارس التحديات والإكراهات التي تعرفها المياه بغية تقديم بعض التوصيات والاقتراحات لتثمينها والحفاظ عليها من خلال التجارب الفضلى للتدبير الأمثل للمياه وتثمينها.
وتجدر الإشارة أن هذه المائدة المستديرة نظمت تحت شعار: “التدبير الأمثل للمياه وفق المقاربة المجالية والترابية بالمغرب” وذلك يوم السبت 13 أغسطس 2022 ابتداء من العاشرة صباحا حتى الثانية بعد الزوال بمقر جمعية الشباب لأجل الشباب بالقنيطرة. وذلك بالاعتماد على منهجية المقاربة التشاركية الدامجة سواء من خلال تسيير حلقة النقاش للمائدة المستديرة أو نشر مخرجات المائدة لوسائل الإعلام المحلية والوطنية والدولية.
فبعد استقبال المشاركات والمشاركين من طرف جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، افتتحت أشغال المائدة بكلمة ترحيبية افتتاحية عبر فيها رئيس الجمعية السيد بنرامل مصطفى عن امتنانه لكل المكونات المشاركة من إغناء النقاش حول الوضعية الحرجة للماء بالمغرب. مذكرا بالسياق الذي جاء فيه تنظيم المائدة المستديرة العلمية. حيت أن المغرب يعيش وضعية جد حرجة مرتبطة بأمنه المائي بصفة عامة والماء الصالح للشرب على وجه الخصوص، فبعد إعلان السيد وزير التجهيز والماء بأن قطاع المياه بالمغرب يعتبر من أهم الأولويات التي حددتها الحكومة الجديدة، لذا فإن وزارته بصفتها الوصي على القطاع، تحتاج إلى إيجاد حلول آنية، بسبب الانخفاض الحاد في الموارد المائية، وزيادة الظواهر المتطرفة بسبب تغير المناخ، وتجدر الإشارة أن المجلس الحكومي في شهر مارس من 2022 وتقارير المجلس الأعلى للحسابات، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حذروا من الوضعية المائية المقلقة التي سيعيشها المغرب. وقبلهم في تقرير دولي للبنك الدولي سنة 2020 حذر من أن “الحق في المياه يواجه تهديداً متزايداً يوماً بعد يوم، ومتوسط الحصة السنوية للمواطن المغربي من الموارد المائية المتجددة والقابلة للتجدد يتجه نحو الانخفاض المستمر“.
وبعد هذا التقديم العام، قدم الخبير البيئي حميد رشيل عضو جمعية المنارات الإيكولوجية مداخلة تأطيرية حول موضوع: “إشكالية التزود بالماء الشروب بالمغرب في ظل ندرة المياه وتغير المناخ والاقتراحات الممكنة”، حيث أكد خلالها أن الدراسات منذ منتصف القرن 20 أثبتت أن الواردات المائية السطحية بالمغرب عرفت تدبدبا كبيرا مع عدم الانتظام بحيث، تم تسجيل خلال مواسم التي عرفت تساقطات مهمة (2009-2010) نتجت عنها فيضانات ضخمة خصوصا بمنطقة الغرب. كما تم تسجيل مواسم عرفت فيها التساقطات تراجعا كبيرا (خلال سنوات فترات الجفاف).
من خلال تحليله لجدول لمعطيات مائية، بين أنه يبدو بشكل جلي أن هناك جفاف هيدرولوجي أصبح مسترسلا ومتواصلا، بل الأكثر من ذلك أن هذا الخصاص المائي أصبح عنيفا وشديد الحدة، أدى إلى تراجع الواردات المائية السطحية بالمغرب بنسب كبيرة جدا. ولمواجهة الخصاص في التساقطات المطرية ولتدبير ندرة المياه وتداعيات سنوات الجفاف قام المغرب بمجموعة من التدابير الهامة. كاعتماد المغرب على بناء السدود في مختلف الجهات قصد تدبير الموارد المائية الوطنية والتي ساهمت بشكل ملموس في تخزين المياه المتساقطة والسطحية. ولقد ساهم هذا الإجراء في تحسن مؤشرات الولوج للماء الشروب، وارتفاع الإنتاجية الفلاحية، وتطور إنتاج الطاقة الكهربائية. كما قام باستراتيجية وطنية للماء لسنة 2009. كما شرع في اعتماد نظام الحكامة المبني على وحدة الحوض المائي لتدبير المورد المائي وتدارك الفوارق المجالية الكبيرة. (هذا النظام عرف عراقيل عدة تمثلت في عدم نضج صلاحيات كل فاعل مؤسساتي له علاقة بالماء فنتج عن ذلك اختلالات كبيرة).
وأشار بعد ذلك، أنه على الرغم من ذلك فان المغرب احتل المرتبة 22 في قائمة الدول الأشد نقصا في المياه حسب التقرير الصادر عن المعهد الدولي للموارد (غشت 2019)، كما أن البرنامج الأولوي الوطني للتزود بالماء الشروب ومياه السقي واجهته عدة معيقات خاصة بالمدن الكبرى.
كما بين على أن هذه العوامل متجمعة تسببت في تراجع النمو الاقتصادي للمغرب الى نسبة 3 في المئة سنة 2018، بل الأكثر من ذلك تسببت في تراجع إنتاج الحبوب بالمغرب بنسبة 49 في المئة سنة 2019 في ظل التغيرات المناخية التي تعد المؤشر الأساسي في اختلال النظم الإيكولوجية، والذي نتجت عنه مؤشرات فرعية نذكر منها الاحترار والاحتباس الحراري وارتفاع مستوى سطح البحر، والتي تسببت بشكل كبير في تراجع التساقطات وتراجع المحاصيل الزراعية مع توسع المجالات الجافة وانتشار التصحر. مما أدى الى تفاقم ظاهرة “النزوح الإيكولوجي”، والتي أدت إلى خلق مناطق تعرف كثافة سكانية كبيرة، ستنتشر بها ظواهر اجتماعية خطيرة، كما سيصعب توفير الحاجيات الغذائية اللازمة لهذه الساكنة.
وفي ظل هذه الوضعية الحرجة حث الخبير البيئي حميد رشيل كل المكونات المتدخلة في مجال المياه على اتخاذ مجموعة من التدابير الاستعجالية في تسطير من أجل الحد من كل الإكراهات والتحديات لتجاوز الأزمة.
وفي مداخلة علمية للباحثة البيئية في سلك الدكتوراه حنان إعيش مهتمة بالمجال والصناعة التقليدية والسياحة الايكولوجية حول موضوع: “الماء والهجرة أية علاقة؟”، وخلالها أوضحت أنه لطالما أثرت المياه على المكان الذي نعيش فيه. واليوم، ومع تسارع وثيرة أزمة المياه العالمية بسبب تغيّر المناخ، فإن الزيادة المتواصلة في تنقل الناس في مختلف أنحاء العالم تتطلب استجابة مدروسة لتحويل هذه الأزمة إلى فرصة يجب استثمارها. كما شاركت الخبيرة في مجال التربية البيئية عضوة منظمة اليونسكو في مدينة القلعة الكبرى بسوسة بتونس الخضراء.
حيث أكدت أن هناك أكثر من مليار مهاجر في العالم، ويرتبط نقص المياه بنسبة قدرها %10 من الارتفاع في حركة الهجرة العالمية. كما بينت أن التقرير الرئيسي للبنك الدولي المعنون “بين المد والجزر” عن المياه والذي صدر لتوه أن لنقص إمدادات المياه، وليس لوفرتها، الجانب الأكبر من التأثير على حركة الهجرة. والذي تناول مجلده الأول الصلة بين المياه والهجرة، وتداعياتها على التنمية الاقتصادية، مستندا إلى تحليل لأكبر مجموعة من البيانات تم تجميعها عن الهجرة الداخلية على الإطلاق وتغطي نحو نصف مليار شخص في 64 بلداً خلال الفترة بين عامي 1960 و2015، وللعديد من مجموعات البيانات الوطنية والعالمية التي تم تجميعها لأول مرة.
أما المجلد الثاني الذي حمل عنوان “المياه في ظل الصراع”، فتناول التفاعل بين ديناميات الصراع والمياه والهجرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأشار التقرير بأصابع الاتهام إلى:
تغيّر المناخ باعتباره أحد العوامل التي تذكي حركة الهجرة بسبب نقص المياه، حيث تقود التقلبات في المواسم الأمطار إلى دفع البشر للبحث عن فرص وآفاق أفضل في أماكن أخرى من أجل العيش الآمن.
ويعاني سبعة عشر بلدا من بلدان العالم من ضغوط مائية شديدة، وبلدان العالم النامية تعاني أكثر من غيرها بوطأة التحديات المرتبطة بالمياه، حيث يعيش 85% من السكان المتضررين من تقلبات هطول الأمطار في بلدان منخفضة أو متوسطة الدخل.
وأمام هذه الوضعية بادر المغرب بعدة مبادرات قطاعية في شأن توفير المياه منها مبادرة الوزارة المعنية ”التجهيز والماء“ من خلال صياغة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، الذي يهدف إلى تسريع وتيرة الاستثمار في مجال الماء من أجل مواكبة الطلب المتزايد على الموارد المائية وضمان الأمن المائي للبلاد والحد من تأثير التغير المناخي، بكلفة إجمالية تبلغ 115,4 مليار درهم.
وفي سياق تحليله للوضع، أكد الخبير الاستراتيجي السيد سامي أمين، أن مكامن الخلل التي تواجه التدبير والاستغلال الأمثل للمياه بالمغرب هي المخططات الاستراتيجية القطاعية التي تغيب عنها الشمولية والاستدامة وحضور الخصوصيات المجالية المرتبطة بالوفرة والندرة للمياه في مكوناتها. ممن يتضح أن العديد من الخطط للمنتوجات الزراعية وكذا المشاريع الكبرى تؤدي إلى زيادة الاجهاد المائي بالمغرب والخطير في الامر هو بروز مفهوم تصديره المياه عبر تصدير بعض المنتوجات التي تستزف الثروات المائية.
أما كلمة الخبير البيئي والإعلامي السيد كمال بوقصة حول موضوع: “مياه المغرب بين الوفرة والتحديات في ظل الوضعية الحرجة وحالة الطوارئ المائية”، فقد وضح فيها أن المغرب كان ولايزال يزخر بالعديد من الموارد المائية (السطحية والجارية والجوفية) لكن اليوم أصبحت جميعها تعاني من مختلف أنواع الاستنزاف وسوء التدبير والخطير في الأمر تلوثها، وهذا ما يجعلنا نقف اليوم عند أهم التحديات التي تواجهها في أفق اقتراحات للتغلب على المتاح منها، وذلك بفعل الظروف المناخية الجيدة وكذا الارتفاعات. وأغلب مواردنا المائية السطحية معرضة للعوامل المناخية منها التبخر وإنسانية استغلال غير معقلن وتلوث يكون خطيرا في بعض الأحيان مما يشكل خطرا على الصحة العامة وفقدان التنوع البيولوجي. وهذا ما يستوجب التدخل الاني والاستعجالي من أجل وقف نزيف المياه المهدورة من خلال عدة اقتراحات موضوعية.
ومن أجل التعرف على الوضعية المائية على الصعيد العربي وبعض التجارب الفضلى في هذا المجال، قدم الباحث من جمهورية اليمن في سلك الدكتوراه بالمغرب السيد نائل عبد الرحمن مقبل عرضا حول: “تدبير الموارد المائية في الجمهورية اليمنية” بين الوضعية المقلقة الانية واستفادة من الممارسات والتجارب التقليدية في الحفاظ على المياه وترشيد استعمالها.
حيث تعد اليمن واحدة من أكثر الدول العربية التي تواجه أزمة مياه خانقة، فموارد المياه العذبة تتضاءل بسبب الضخ المفرط من المياه الجوفية. ويتزايد الطلب على المياه بفعل الاستهلاك المرتفع للفرد، والاستخدام المفرط وسوء إدارة الموارد المائية والنمو السكاني السريع (تضاعف عدد السكان منذ العام 1990 (من 11 إلى 23 مليون)، ويتوقع أن يتضاعف ثانية إلى 48 مليون بحلول العام 2037. ما يوجب تطبيق الأساليب الإدارية الحديثة التي تضمن استدامة الموارد المائية وترشيد استهلاكها.
ومن أجل التعرف على أهمية البحث العلمي في دراسة الوضعية المائية واقتراح العديد من الحلول المبتكرة، قدم كل من الباحث وفي سلك الدكتوراه السيد منير مسيتة والدكتورة نجاة الأكحل والدكتور عبد الرحيم القصباوي شهادات علمية حول الدور التي تلعبه الدراسات العلمية في التعرف عن قرب عن أهم التحديات التي تواجها المياه بالمغرب سواء على صعيد مختلف الجهات بالمغرب من حيث التباين في كمية التساقطات وحجم المياه السطحية والجوفية من جهة، وكذا التحديات التي تواجهها من حيث التدبير الذي يحتاج اليوم لاستراتيجية جديدة تأخذ بعين الاعتبار الحاجة والوفرة والاكراهات التي تعرفها المياه حسب الخصوصيات المجالية والترابية.
وبعد ذلك، فتح نقاش مفتوح بين المشاركات والمشاركين لتعميق التحليل في الموضوع قبل الاشتغال في ورشتي العمل التطبيقية لبلورة التحديات والإكراهات التي تعيشها المياه بالمغرب، التوصيات واقتراحات الحلول الممكنة والمتاحة قصد صياغتها في مذكرة تفصيلية تسل للقطاعات المعنية بالشأن المائي والترابي محليا وإقليما وجهويا ووطنيا.
وخلال عرض لنتائج ورشتي العمل التطبيقية ومناقشتها من الخبراء والمشاركات والمشاركين، تم التأكيد على أنه في ظل هذه الوضعية الحرجة والقلق المتزايد سواء من طرف الساكنة أو المجتمع المدني، وفي ظل زيادة الطلب على الموارد المياه الجوفية بشكل مفرط وبطرق غير عقلانية، وكذا التأخير الحاصل في مشاريع معالجة المياه العادمة وتثمينها الصعيد، بالإضافة لمشكل تلوث المياه الجارية للوديان والأنهار والجفاف البحيرات ونقص حجم مياه حقينة السدود بالمغرب بسبب تأخر الأمطار نتيجة تغير المناخ.
ووفقا للتوقعات الرسمية، ينتظر أن تساهم التغيرات المناخية في تراجع حصة الفرد من المياه ما بين 10 و20 في المائة في أفق 2030، ثم بين 40 و50 في المائة في أفق 2050. ونظرا بأن الإجهاد المائي الذي يواجهه المغرب يستلزم اعتماد سياسات تكميلية كتلك التي يتضمنها النموذج التنموي الجديد. والتي من شأنها أن تعكس القيمة الحقيقية للموارد المائية وأن تشجع استخدامها بطريقة أكثر فعالية وعقلانية”.
وبالرغم من تخصيص الدولة حوالي 2 مليار و42 مليون درهم خلال الفترة 2021 – 2022 لمواجهة ندرة المياه التي تعاني منها عدد من الأحواض المائية، فإن هذه الإجراءات أتت متأخرة ولن يكون لها أثر كبير في الآونة حالية لا على وضعية المياه ولا على التزود بشكل آمن ولائق للساكنة بالماء الشروب في حين الوضعية الزراعية ستعيش الأمرين إلا تجود عليها السماء بخيراتها في الموسم المطير.
فإنه أصبح لزاما علينا جميعا كقطاعات وصية ومتدخلة في الشأن المائي ومراكز للبحث العلمي والجامعي والمجتمع المدني وساكنة المغرب عموما التجند بحزم من العمل بشكل مشترك وفق مقاربة تشاركية مندمجة من أجل أولا الحد من هدر المياه، العمل على الاستعمال الريد للمياه في القطاعات ومناحي الحياة، التوجه بالاستثمارات الزراعية والفلاحية والصناعية نحو مشاريع أقل استنزاف للثروة المائية، اعتماد تكنلوجيا جديد وحلول مبتكرة من أجل الاستعمال الأمثل للمياه، وكذا رفع الوعي الثقافي في مجال المياه من خلال استراتيجية وطنية للتربية البيئية تقيس كل شرائح المجتمع ومكوناته النوعية.
وفي ختام فعاليات المائدة المستديرة العلمية حول وضعية المياه بالمغرب، تقدمت جمعية المنارات الإيكولوجية بالشكر الجزيل لكل المكونات المدنية والخبراء والباحثين والأكاديميين الذين ساهموا في إنجاح فقرات هذا الفضاء العلمي البيئي والمناخي والتنموي الذين أشيد بها من طرف الجميع.