مقالات

تدوير مخلفات الموز في شكل فوط صحية.. علاج بيئي اقتصادي ينتصر للسيدات

مليون و122 ألفا هو عدد الطلاب المتسربين من التعليم في مصر، خلال عام 2017، وفقا لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وترتفع نسب التسرب من التعليم في الريف أكثر منها في الحضر، ويعتبر الفقر أحد الأسباب الرئيسية للتسرب من التعليم، فالذكور يلجئون إلى العمل لتوفير احتياجات الأسرة، والفتيات لا يذهبن للمدارس لأن أسرهن غير قادرين على الوفاء بمتطلبات المدارس، أو لأنهن لا يستطعن شراء فوط صحية خلال فترة الدورة الشهرية.

 

للتعامل مع هاتين المشكلتين، ابتكر فريقا من طلاب جامعة القاهرة حلا لعلا المشكلتين السابقتين، لها أثر بيئي مهم جدا، فقد تمكن الفريق من إعادة تدوير مخلفات الموز وتصنيع فوط صحية للسيدات، للقضاء على المخلفات البيئية الكثيرة لهذه الأشجار، ومن ناحية أخرى إحداث تمكين اقتصادي للسيدات في القرى والأماكن النائية والمجتمعات المحافظة، وحماية الفتيات والسيدات ذوات الدخل المنعدم أو المنخفض، وتمكينهن من شراء فوط صحية رخيصة الثمن، لحمايتهن صحيا. 

 

يعتمد الحل الذي صممه ونفذه الطلاب على تصنيع الفوط الصحية من منتجات خالية من البلاستيك، تدخل ألياف الموز مكونا رئيسيا في تصنيعها، وهو ما يخفض سعرها بقدر كبير، مقارنة بنظيرتها الموجودة في السوق المصرية، وفقا للدكتورة فاطمة سري المشرف على مشروع الطلاب التابعين لمنظمة إيناكتس في مصر.

 

مصممي مشروع “Organic Pads” لم يتوقفوا عند هذا الحد، ودربوا السيدات العاطلات في القرى والمناطق النائية عليه، وهو ما أوجد لهنّ فرصة عمل جديدة للقضاء على مشكلة الفقر بالقرى ووفر لهنّ دخلًا ثابتًا، وفقا لـ فاطمة.

 

نسب التسرب من التعليم في مصر

وبلغ عدد المتسربين في المدارس بالريف 827 ألفًا و466 من الجنسين، مقابل 295 ألفًا و16 متسربا في الحضر، وسجلت المرحلة الإعدادية أعلى عدد للتسرب من التعليم، بنحو 451 ألفًا و662 شابًا وفتاة، تليها الثانوية بـ349 ألفًا و16 شابًا وفتاة، ثم الابتدائية 321 ألفًا و788 من الجنسين، وارتفعت نسب تسرب الفتيات في المرحلتين الإعدادية والثانوية عن الذكور.

 

معدلات الفقر في مصر

الفقر هو أحد أسباب التسرب من التعليم، وتظهر الإحصائيات ارتفاع نسب التسرب من التعليم بالتوازي مع ارتفاع معدلات الفقر في مصر، وقد أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، 2017، ارتفاع معدلات الفقر في مصر لتصل إلي 32.5% مقابل 27.8% عام 2015.

وقد تصدر صعيد مصر قائمة المحافظات الأكثر فقرا في الجمهورية، وسجلت القرى أكبر معدلات فقر على مستوى الجمهورية، فقد سجلت قرى في محافظتي أسيوط وسوهاج نسب فقر بين 80 إلى 100%. وقد حدد التقرير معدل خط الفقر للفرد في السنة بـ736 جنيها شهريا (40 دولارا).

 

إنتاج 90 ألف فوطة بتكلفة اقتصادية أقل

تقول مريم عبداللطيف، منسق الفريق الذي ابتكر المشروع، إنه خلال بحث الفريق عن المشاكل التي يعاني منها المجتمع، توصلوا إلى أن هناك بعض السيدات في القرى الفقيرة يعجزن عن شراء فوط صحية فيلجئون لشراء بدائل غير صحية، علاوة على ارتفاع نسب تسريب الفتيات من التعليم بسبب عدم قدرتهن على شراء فوط صحية خلال فترة الدورة الشهرية، ما دفع الفريق لابتكار حل لهذه المشكلة.

 

تضيف مريم، أن الفريق توصل إلى أنه يمكن صناعة فوط صحية من مواد طبيعية 100%، مستخدمين ألياف الموز، ليتمكنوا من التخلص من الأضرار البيئية الناتجة إلقاء أكثر من 30 مليون شجرة موز سنويا، مضيفة أنهمم أنتجوا أكثر من نموذج واختبروا قدرته على امتصاص السوائل، وتأكدنا من جودته وملائمته للمعايير الصحية في وزارتي الصحة والزراعة.

 

نفذ المشروع صاحبات المشكلة بأنفسهن، حيث درب فريق إيناكتس المكون من 100 طالب الفتيات والسيدات في القرى الفقيرة على إنتاج الفوط، لتلبية حاجتهن إلى الفوط من ناحية وتمكينهن من توفير دخل مادي إضافي لهؤلاء السيدات، وأنتجت السيدات في القرى الفقيرة والنائية قرابة 90 ألف فوطة ذات جودة أفضل من المصنوعة كونها مواد طبيعية بنسبة 40% من تكلفة السوق التجاري، ووصلت تكلفة الفوطة الواحدة 60 قرشًا.

 

 لكن قبل وصول إلى هذا الهدف واجهتهن عدة مشاكل، كان بينها خوف السيدات من التفاعل مع الطلاب وخوفهن من الحديث عن المشكلة، وما لبثوا أن تمكن الفريق من تخطي هذه الحواجز.

 

قالت مريم، إن الفريق الذي صمم مشروع تصنيع فوط صحية من مخلفات الموز يضم 100 طالب، تسعى لتدريب الطلاب على مشروعات ريادة الأعمال، لتوفير فرص عمل مستقبلية للطلاب، والقضاء على فكرة انتظار الوظيفة الميري، وتوفير دخل وفرص عمل لهم، موضحة أن المشروع لا يؤثر على الصحة والنظافة الشخصية فقط، بل يؤثر بشكل مباشر في عدد أيام العمل للسيدات في القرى وعدد الفتيات اللاتي يتسربنْ من التعليم.

مخلفات الموز واعدة اقتصاديا

وعن مميزات استخدام ألياف الموز في تصنيع الفوط الصحية، قالت هناء أبوزید، مدرس بقسم الغزل والنسيج بكلية الفنون التطبيقية جامعة دمياط، إن الصناع يسعون حاليا لاستبدال الألياف بمواد طبيعية صديقة للبيئة، وتتميز ببعض الخصائص مثل قوة الشد وخفة الوزن وانخفاض التكلفة، والقدرة على التحلل البيولوجي، وجميعها مميزات تتوافر في ألياف الموز.

 

وأضافت أبوزيد، أن مصر تزرع قرابة 65 ألف فدان موز تنتج ملايين الأطنان من المخلفات سنويا، تشكل عبئا كبيرا على البيئة، ما يجعل إعادة تدويرها أمرا إيجابيا ومفيدا جدا، اقتصاديا وبيئيا، مشيرة إلى أن لألياف الموز خصائص متميزة لأنها أرخص وأخف وزنا ومتوافقة بيئيا عن بعض الألياف الأخرى، ويمكن استخدامها في تكنولوجيا المواد المركبة وخلطها مع ألياف أخرى.

تمكين السيدات اقتصاديا

وعن الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع على السيدات، ومدى قدرته على تمكينهن اقتصاديا، يقول الخبير الاقتصادي كريم عادل، إن الحرف اليدوية ومشروعات إعادة التدوير ذات رأس المال المنخفض تُعتبر حلاً سريعاً ومباشراً لمساعدة السيدات في المناطق النائية والمجتمعات المحافظة على العمل وتمكينهن اقتصاديا، فمارس السيدة مجموعة مهام داخل منزلها توفر لها دخلا يساعدها في توفير احتياجاتها، خاصة المعيلات منهن.

 

وتوقع عادل أن تتوسع السيدات في اللجوء لهذا النوع من المشروعات مستقبلا في ظل ارتفاع نسب التضخم وتراجع قيمة الجنيه، لافتا إلى دور هذه المشروعات في تحقيق العدالة في التنمية الاجتماعية المتوازنة بين مختلف فئات المجتمع.

 

تحديات المشروع

لكن هذا المشروع الواعد تواجهه بعض التحديات، أشار إليها الخبير الاقتصادي كريم عادل، قائلا إن ألياف الموز المستخدمة في تصنيع الفوط تتم بواسطة بعض الأساليب الميكانيكية، وهو يحتاج لماكينات خاصة، وهو أمر شاق ومكلف ماديا على هؤلاء السيدات، وإذا تم حل هذه المشكلة بإيجاد ماكينة أو أكثر داخل كل قرية للتعامل مع مخلفات الموز، سيواجهن عقبة النقل والتسويق لاحقا، ولكنها ليست بالتحديات الكبرى التي تعطل التطبيق والتوسع في هذا المشروع.

علاج لـ4 مشاكل

من جانبها قالت الخبيرة البيئية نهاد كمال، إن مصر تواجه أزمة كبرى في ملف تدوير المخلفات والنفايات، وواحدة منها هي مخلفات الموز، وتنتج ملايين الأطنان سنويا ن المخلفات الناتجة عن زراعة 65 ألف فدان موز سنويا، جميعها تلقى على جانبي المصارف الزراعية، أو تحرق، أو تترك حتى تتعفن، ما يسبب عبئا بيئيا كبيرا.

 

وأضافت كمال، أن تدوير مخلفات الموز في شكل فوط صحية مشروع مبشر، لأنه يعالج 4 مشاكل الأولى بيئية والثانية اقتصادية عبر توفير فرص عمل ودخل للسيدات في القرى والأرياف والمناطق النائية، علاوة على توفير الفوط الصحية للفتيات والسيدات ذوات الدخل المنخفض بسعر زهيد جدا، ما يساعد في علاج مجموعة من المشاكل الصحية، والرابعة علاج أزمة تسرب الفتيات من التعليم.

 

تم إعداد هذا التحقيق ضمن مبادرة MediaLab Environment، مشروع للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFI.  

إيهاب زيدان

إيهاب زيدان.. صحفي استقصائي مصري، يعمل في موقع المنصة المصري، متخصص في تغطية قضايا البيئة والتغيرات المناخية، حاصل على تدريبات وزمالات متخصصة في التغطيات البيئية والمناخية من مؤسسات دولية، أبرزها طومسون رويترز، وشبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية "أريج"، وأكاديمية DW والوكالة الفرنسية CFi. ، كما عمل "إيهاب" على تغطية قضايا البيئة والتغيرات المناخية في عدة منصات ومواقع إخبارية إقليمية ودولية، بينها تحقيقات استقصائية متخصصة في هذا المجال. حاز على جائزة التميز الصحفي من الاتحاد الأوروبي 2019، وجائزة المركز الدولي للصحفييين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى