تحقيقات

كيف تواجه مصر الهجرة الداخلية جراء التصحر وفقدان الأراضي الزراعية

“أصبحت الأراضي غير قادرة على توفير احتياجاتي وتراجع الإنتاج في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ. وأنا أعد للزواج منذ ثلاث سنوات، ولكني لست قادراً على ذلك بسبب تراجع الإنتاج الزراعي، لا أستطيع جمع الأموال كي أتزوج من الفتاة التي نريد تكوين العائلة معاً؛ لذلك قررت السفر إلى القاهرة للعمل كسبا للرزق”.. بتلك الكلمات يشكو لنا وائل مصطفى وضعه المادي السيئ.


تراجعت معدلات ربح الفلاح من أرضه منذ مطلع الألفية الجديدة، ما تسبب في هجرة عدد كبير المزارعين والفلاحين أراضيهم، وهجرتهم إلى المدن الكبرى بحثا عن العمل والرزق، كي يتمكنوا من تأمين احتياجات أسرهم وعائلاتهم. يعد وائل واحداً من المهاجرين البيئيين الذين غادروا مناطق سكناهم بحثا عن الرزق.


يُعرف المهاجرون البيئيون بأنهم الأشخاص الذين لم يعودوا قادرين على الحياة وكسْب العيش الآمن في مناطقهم الجغرافية أو أوطانهم؛ وذلك جراء مشكلات بيئية مثل الجفاف أو تآكل التربة والتصحر وإزالة الغابات، ومــن ثــمَّ يشــعر هــؤلاء أنه لا بديل أمامهم سوى البحث عن مــلاذ فــي مــكان آخــر داخــل وطنهــم أو خارجــه.


وقد بلغ عـدد المهاجرين البيئييـن 25 مليـون شـخص عام 1995، مقارنـة بــ 27 مليـون لاجـئ تقليـدي، وفقا لإحصائيات أممية.


تراجع الزراعة

يقول وائل، إن إيراد الأرض الزراعية في ظل الجفاف وتآكل التربة بات لا يتعدى تكلفة المصروفات التي يتكفلها الفلاح، في ظل ارتفاع أسعار جميع السلع والأدوات اللازمة للزراعة، فقد ارتفعت أسعار الأسمدة الزراعية بمقدار 300%، وارتفعت تكلفة ري الأراضي الزراعية بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، وارتفعت تكاليف حصاد المحصول وجمعه بسبب المحروقات أيضا، وارتفاع نسب التضخم وهو ما ساهم في ارتفاع تكلفة إيجار العمال اللازمين للزراعة.


وقد تسببت الأزمات الناتجة عن الجفاف وضآلة المحاصيل الزراعية خلال السنوات الأخيرة، في هجرة الفلاحين إلى المدن بحثا عن الرزق كما هو حال وائل، ويقدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إجمالي عدد المهاجرين المحليين بين محافظات مصر بحوالي 1.1 مليون نسمة، عام 2017، أكثر من 64% منهم اختار القاهرة الكبرى، حيث تتركز عدد كبير من فرص العمل، وقد سجلت الفئات المنتجة (15: 44 سنة) 60.9٪ من إجمالي عدد المهاجرين.


وكشف المركزي للإحصاء، أن الهجرة بسبب العمل احتلت المرتبة الأولى بالنسبة للمهاجرين من الريف إلى الحضر حيث سجلت 30.9% مقابل 21.5% للمهاجرين من الحضر إلى الريف، وارتفعت نسبة الهجرة بسبب العمل بشكل كبير بالنسبة للذكور حيث بلغت 53.9% مقابل 10.4% فقط للإناث. وبلغ إجمالي المهاجرين حوالي 8.3 مليون مهاجر وهي تمثل 8% من السكان المصريين في مصر، بينهم 5 ملايين مهاجر بنسبة 60.1% من إجمالي المهاجرين اللذين انتقلوا إلى حضر المحافظة.


التصحر وتغير المناخ يهددان الأمن المصري

باتت مشكلة التصحر واحدة من أكثر المشكلات التي تؤرق الفلاحين في مصر، إذ تحتل مصر المركز الأول عالميا في معدلات التصحر، حيث تخسر 25 ألف فدان سنويا، وفقا للدكتور مجدي علام أمين اتحاد خبراء البيئة العرب، وتفقد محافظة الفيوم إحدى محافظات الصعيد قرابة 10 آلاف فدان سنويا.

ويشير تقرير صدر عن مركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة/2018 بعنوان (المناطق الأكثر تصحرًا وتدهورًا في مصر) الى ان هناك أربعة أقاليم مصرية تعد من المناطق الأكثر تضرراً جراء التصحر: إقليم الساحل الشمالي، إقليم دلتا النيل والوادي، إقليم الصحراء الغربية، وإقليم الصحراء الشرقية وسيناء.


ويشير الدكتور خالد أبو دوح، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة سوهاج، أخطار ارتفاع معدلات الهجرة البيئية، على مصر التي من أكثر الدول التي تعاني من آثار التغيرات المناخية. وبما ان مصر تعتمد علـى نهـر النيـل كمصـدر رئيـس للميـاه، وقاعدتهـا الزراعيـة الأساسـية، وخطهـا السـاحلي الطويـل الـذي يمـر بتغييـرات وتـآكل مكثّـف، فإن ظهور جملة من التهديدات البيئية بحسب أبو دوح أصبح واقعاً.


وأضاف أبو دوح، أن دلتا النيل تنحسر بالفعل ما بين 3، 5 ملم سـنويًا، بالإضافـة إلـى أن ارتفـاع مسـتوى سـطح البحـر بمقـدار 0,25 متـر، ما مـن شـأنه أن يدمـر معظـم المـدن التـي تحافـظ علـى حيويـة الاقتصاد المصـري، فارتفـاع مسـتوى سـطح البحـر بمقـدار 0،5 متر فقط، من شأنه أن يضع 67% من السكان، و65,9% مـن القطـاع الصناعـي، و 75,9% مـن قطاع الخدمـات، تحـت مسـتوى سـطح البحـر، وفـي مثل هـذا الوضـع، سـيتعين تهجيـر 1,5 مليـون شـخص، وسـيترتب عليـه تداعيـات اجتماعيـة واقتصاديـة، علاوة على التهديدات الأمنية.


وفي السياق ذاته، يُحذر المهندس الزراعي مصطفى داوود، من زيادة هجرة أعداد الفلاحين والمزارعين، انها تؤدي برأيه الى تراجع حجم المحاصيل الزراعية الأساسية والاستراتيجية مثل القمح والذرة، وهما محصولان ضروريان للأمن الغذائي للمصريين جميعا. وأضاف داوود، أن وزارة الزراعة والحكومة المصرية تبذل جهود مضنية في استصلاح الصحراء وزرعها ببعض المحاصيل اللازمة، ولا تلتفت للأزمة الحالية التي باتت قنبلة موقوتة تكاد تعصف بالأمن الغذائي للمصريين. ولذلك ينبغي على الحكومة أن تضع برامج تنموية لمساعدة الفلاح، بعيدا عن إقراضه وإثقال ظهره بالديون عبر البنك الزراعي المصري.

 

وأكد أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن الأمر يتسبب في تهديـد متزايـد للأمـن البيئـي المصـري، باعتبارها مقصـدا للاجئيـن التقليدييـن والمهاجريـن لأسـباب اقتصاديـة، علـى حـد سـواء، ومعظمهـم مـن الـدول المجـاورة ومـن شـرق إفريقيـا، إذ تستضيف مصر بالفعل لاجئين من 35 دولة على الأقـل، وبالتالي يتوقع أن تزداد معدلات الهجرة البيئية إلى مصر مستقبلا.

 


خطة الحكومة للتعامل مع آثار تغير المناخ


من جانبها أشارت الخبيرة البيئية ريهام صابر، إلى أن الحكومة المصرية بدأت في وضع خطط للتعامل مع الأمر، فقد كانت من أوائل الدول التي اهتمت بملف التغيرات المناخية، وأنشئت المجلــس الوطنــي للتغيــــــــرات المناخيــــــــــة، ونفَّــــــــــذت عـــــــــددًا مــن المشروعات في مجال تحسين كفاءة الطاقة، وحماية الشواطئ الساحلية، واستنباط بعض المحاصيــل القــادرة علــى تحمُّــل درجــة الحــرارة والملوحة.


وأضافت ريهام، أن مصر ستستضيف قمة المناخ COP 27 في شرم الشيخ، أواخر العام الجاري، وطالبت المجتمع الدولي بضرورة الوفاء بالتزاماته تجاه مصر بتوفير الدعم المالي والفني اللازمين لتنمية القدرات المؤسسية والبحثية في مجال التغيــر المناخــي، وإجــراء دراســات مســتفيضة لتقييم الآثار البيئية والاقتصادية التي قد تنجم عن التغيرات المناخية في مصر، والإسهام في إجراءات التأقلم والتكيف مع هذه الآثار.


يعمل وائل الآن عاملا في مجال الإنشاءات المعمارية، يؤمن أجرا يوميا يبلغ 170 جنيها (10 دولارات تقريبا)، ينفق منها على طعامه وشرابه، ولكنه راضي تماما بهذا المبلغ الذي يرى أنه سيمكنه من الزواج من خطيبته قريبا، ورغم عمله الشاق يرى أنه أفضل كثيرا من العمل في قطاع الزراعة، فهو مشقة بدون مقابل عادل.

تم إعداد هذا التحقيق ضمن مبادرة MediaLab Environment، مشروع للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFI.  

إيهاب زيدان

إيهاب زيدان.. صحفي استقصائي مصري، يعمل في موقع المنصة المصري، متخصص في تغطية قضايا البيئة والتغيرات المناخية، حاصل على تدريبات وزمالات متخصصة في التغطيات البيئية والمناخية من مؤسسات دولية، أبرزها طومسون رويترز، وشبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية "أريج"، وأكاديمية DW والوكالة الفرنسية CFi. ، كما عمل "إيهاب" على تغطية قضايا البيئة والتغيرات المناخية في عدة منصات ومواقع إخبارية إقليمية ودولية، بينها تحقيقات استقصائية متخصصة في هذا المجال. حاز على جائزة التميز الصحفي من الاتحاد الأوروبي 2019، وجائزة المركز الدولي للصحفييين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى