Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
مقالات

ماء بطعم الصرف الصحي.. مصرف الزنار يحرم مليوني مواطن في أسيوط من شرب مياه نظيفة

“أصبت بفشل كلوي منذ 5 سنوات، أجري جلستي غسيل كلوي مرتين أسبوعيا أعاني خلالهما آلاما مبرحة، وليس أمامي اختيار آخر، لا أعلم ما السبب لكن كثير من أهل القرية يعانون نفس مرضي” كلمات شكى بها محمد عادل، أحد سكان قرية جزيرة زيد الأكراد معاناته جراء إصابته بمرض الفشل الكلوي.

 

عادل واحد من 3 آلاف شخص، يعيشون داخل جزيرة الأكراد يعانون من الفشل الكلوي والفيروسات الكبدية بسبب تصريف صرف صحي خام غير معالج لمصرف الزنار، ليصب في النهاية داخل نهر النيل على بعد كيلومتر واحد من موقع سحب محطة مياه شرب الطوابية التي توزع مياه شرب نظيفة إلى أكثر من 2 مليون مواطن يعيشون داخل مركزي أبنوب والفتح وأسيوط الجديدة.

 

علاوة على مياه الشرب غير النظيفة التي تصل لآلاف المواطنين داخل هذه المراكز، والتي تصيبهم بأمراض جمة، فإن المصرف يكاد يتسبب في بوار مئات الأفدنة الزراعية بعدما تحول من مصرف زراعي إلى صحي، وحرم الأهالي من ري أراضيهم بمياه نظيفة، علاوة على تلويثه البيئة المحيطة، وانتشار الحشرات الضارة والقاتلة. 

 

72% من أمراض الكلى سببها المياه الملوثة

تقرير صادر عن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن مياه الشرب غير الآمنة والتعرض للمبيدات الحشرية هي سبب أمراض الكلى لدى 72% من المرضى.

وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من مياه الشرب غير الآمنة وسوء الصرف الصحي، باعتبارها أكثر عوامل الخطر للإصابة بأمراض الإسهال، وهي السبب الرئيسي الثالث لوفاة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات عام 2017، وهي عبء متزايد على المسنين الذين تزيد أعمارهم على 70 عاما.

 

مسار مصرف الزنار

صرف صحي خام يصب في نهر النيل تنقله الأمواج معها إلى مسحب محطة مياه شرب الطوابية، حيث تبعد مسافة تقل على 1 كم، لتسحب محطة المياه ما تسحبه وتخلطه مع المياه التي يشربها مليوني مواطن، والبقية تنقلها الأمواج معها إلى الشمال، حتى تصل إلى الدلتا وتصب في النهاية داخل البحر الأبيض المتوسط، ليصل الصرف الصحي الخام إلى المصدر الرئيسي لمياه الشرب والزراعة في مصر، ويصل لأجساد جميع المصريين.

 

مسار المصرف يبدأ من مركز أبو تيج ويمر بجوار محطة صرف صحي الزرابي التي تلقي بمخلفاتها داخل المصرف، وتمر أيضا بجوار محطة صرف صحي شطب الجديدة (محطة معالجة ثلاثية حديثة)، التي تُلقي بمُخلفاتها أيضا داخل المصرف، وتصب محطة صرف صحي عرب المدابغ صرف خام داخل المصرف، عن طرق ماسورة تمر أسفل الترعة الإبراهيمية تلتقي مع المصرف عند مدخل جزيرة الأكراد بجوار بيت حسب الله، لتستكمل مخلفات الصرف الصحي رحلتها داخل المصرف قاطعة شوارع جزيرة الأكراد، وصولا إلى نهر النيل.

 

تحايل على القانون

بدأت الكارثة عام 2009، عندما تحايلت شركة مياه الشرب في أسيوط على الجهات التنفيدية: محافظة أسيوط، ومديريتي الزراعة والري وجهاز حماية مياه النيل بالمحافظة، لعمل هذه التوصيلة على أساس إلقاء الصرف الصحي المعالج من محطة صرف صحي عرب المدابغ بمصرف الزنار، ومدوا ماسورة مياه أسفل الترعة الإبراهيمية لتصب في مصرف الزنار أول جزيرة الأكراد.

 

ومع الوقت والزيادة السكانية المستمرة وجدوا أن القدرة الاستيعابية لمحطة عرب المدابغ لم تكن قادرة على معالجة الصرف الصحي الناتج عن المدينة بأكلمها، فتحايلوا على الرخصة وبدأوا إلقاء صرف صحي خام داخل المصرف، الذي يصب في النهاية داخل نهر النيل.

 

يقول علاء عبدالله، أحد أهالي القرية، إن مصرف الزنار أنشئ عام *** كمصرف زراعي، لتصريف بواقي مياه الري في الرقع الزراعية التي تسقى عن طريق الغمر، بدءا من مركز أبو تيج إلى مركز الفتح ويصب في نهر النيل مباشرة، حيث جزيرة الأكراد من ناحية ومن الناحية الأخرى قريتي بني زيد والطوابية، قبل أن تتحايل شركة المياه على الجهات التنفيذية داخل المحافظة وتلقي صرف صحي غير معالج داخل المصرف.

 

الأضرار الواقعة على الأهالي

الضرر الأكبر من مصرف الزنار يقع على عاتق 2 مليون مواطن، بمراكز الفتح وأبنوب وأسيوط الجديدة، لأنهم يشربون مياها ملوثة بمخلفات الصرف الصحي، لأن المصرف يلقي مكوناته داخل نهر النيل على بعد 500 متر فقط من محطة مياه شرب الطوابية، ما يصيبهم بجملة من الأضرار الصحية.

 

 

بوار الأراضي الزراعية

علاوة على الضرر الواقع على 3 آلاف نسمة من سكان جزيرة الأكراد من مرور المصرف منتصفا قريتهم، ما يهدد ببوار مئات الأفدنة التي ستحرم من مياه الري النظيفة، بعدما تآكلت ماسورة من اثنتين كانتا تنقلان الماء من إحدى جهتي المصرف إلى أخرى لري المحاصيل الزراعية، والأخرى أوشكت على التآكل تماما، وكلفهم المصرف كثير من الأموال ليتمكنوا من ري أراضيهم مستخدمين المياه الجوفية بدلا عن مياه المصرف التي كانت نظيفة في البداية قبل تصريف الصرف الصحي داخله.

 

يقول علاء، إن المزارعين كانوا يروون أراضيهم من مصرف الزنار عندما كان يستخدم كمصرف زراعي، مستخدمين مواتير رفع عادية، وعندما بدأت الشركة في ضخ الصرف الصحي غير المعالج في المصرف، بدأ المزارعين في حفر آبار لري أراضيهم من المياه الجوفية، لكن المزارعين الأشد فقرا استمروا في ري أراضيهم من المصرف، وفوجئوا بإصابتهم بحساسية وأمراض جلدية، والمحاصيل الزراعية أصابتها آفات كثيرة وأكلها الدود، وكسد الموسم الزراعي بأكمله، فاضطروا للاقتراض لاستخدام المياه الجوفية في الري.

 

ويضيف: “أغلب سكان القرية مصابون بأمراض فشل كلوي وكبدي بسبب المياه، إضافة للأمراض الصدرية بسبب الانبعاثات والروائح الكريهة الصادرة عن الصرف الصحي داخل المصرف، علاوة على انتشار الحشرات السامة والبكتيريا الضارة والآفات التي تصيب المحاصيل الزراعية بضرر بالغ، إضافة إلى تأثير الضار على الثروة الحيوانية”.

 

 

اعتراف رسمي

17 سبتمبر 2012، صدر تقرير رسمي صادر عن لجنة مكونة من ممثلين عن جهاز شؤون البيئة والري والصرف الصحي ورئاسة المركز وإدارة الصرف الزراعي وإدارة المتابعة الميدانية بديوان عام محافظة أسيوط، بعد معاينة مصدر التلوث البيئي لمصرف الزنار، ذكر فيه أن مصدر التلوث هو الصرف الصحي المركز وغير المعالج من محطة عرب المدابغ، وكذلك إلقاء عربات الكسح للمخلفات في هذا المصرف، وتمت معاينة المصب على النهر وُوجد صرف صحي مركز وغير معالج يصب مباشرة في مجرى نهر النيل، القريب من مأخذ محطة مياه الشرب بالجهة الشرقية من النيل بقرية الطوابية، التي قد تتأثر بهذا التلوث.

 

ورغم الاعتراف الرسمي من 8 جهات مختلفة بتأثير هذا المصرف الضار على القرية وعلى المواطنين المستفيدين من محطة مياه الشرب في الطوابية، إلا أن أحدا لم يحرك ساكنا، وبقى الوضع على ما هو عليه.

 

وقال طه منير أحد أهالي القرية، إن “جهاز شؤون البيئة حرر محضرا لشركة مياه الشرب والصرف الصحي، وتدخل المحافظ ياسر الدسوقي، آنذاك، وأمهل رئيس مجلس إدارة الشركة أسبوعين لتدارك الخطأ والتوقف عن إلقاء مخلفات الصرف الصحي داخل مصرف الزنار، لكن تمت تسوية الامر وتنازل جهاز شؤون البيئة عن المحضر، ولا نعرف من الذي تدخل وتسبب في التراجع عن حل المشكلة؟”.

 

 

انتشار الأمراض واختفاء الثروة السمكية

وذكر تقرير صادر عن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن المياه الملوثة أحد أسباب إصابة المصريين بالفشل الكلوي والسرطان وفيروس التهاب الكبد الوبائي، وهو فيروس تشير التقارير الى ارتفاع نسبة المصابين به في مصر عن المعايير العالمية حيث تقدر بين 10% الى 20% من السكان، ويتسبب تلوث المياه أيضا في انتشار مرض البلهارسيا بين الفلاحين، الذي ينتقل عن طريق الاتصال المباشر مع المياه؛ وينتقل كذلك عن طريق مياه الري.

يؤدي ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض الناتجة عن المياه الملوثة إلى ارتفاع فاتورة العلاج كذلك، ما يؤدي إلى ارتفاع ثقل الأعباء المالية على المواطنين وعلى الدولة.

علاوة على الأضرار الصحية، تتسبب المياه الملوثة بالقضاء على الثروة السمكية بمياه النيل، فبعدما كان يحتوي نهر النيل على 40 نوعا من الأسماك، أصبح يحتوي على 7 أنواع فقط، وفقا لمصدر بهيئة الثروة السمكية.

 

مكونات الصرف الصحي وأضراره على البيئة

تقول ريهام صابر، خبير ومدرب بشركة مياه الشرب، إن نهر النيل هو المصدر الرئيسي لمياه الشرب لأكثرية المصريين في المحافظات المختلفة، وتمر المياه بعدة مراحل منذ سحبها من نهر النيل حتى وصولها إلى المنازل، أهمها عملية التعقيم، ويُقضى خلالها على البكتيريا الضارة والعوامل الممرضة مثل البكتيريا والميكروبات العادية وذات الحويصلات، كي لا تسبب أي أضرار بصحة الإنسان أو الحيوان، وبدون إحداث تغيير في طعم ولون ورائحة المياه، ويعتبر الكلور أسهل وأرخص وأعم المواد المستخدمة في تنقية المياه بجميع محطات تنقية المياه المصرية.

 

وأضافت ريهام، أن معالجة مياه الشرب والصرف الصحي عملية معقدة، لأنه يتكون من مجموعة مواد، مثل: المواد الصلبة العالقة، المواد العضوية القابلة للتحلل البيولوجي، والكائنات الحية المسببة للأمراض، والمواد العضوية الشديدة المقاومة للتحلل، والمعادن الثقيلة، والمكونات الذائبة غير العضوية، والمغذيات.

 

وأشارت إلى المخاطر البيئية التي تخلفها مكونات الصرف الصحي، فالكائنات الحية الموجودة في المياه تسبب أمراضا للإنسان والحيوان والنبات، والمواد العضوية المقاومة للتحلل تسبب ضررا شديدا للبيئة عند تراكمها، وتسبب المعادن الثقيلة سُمية شديدة وتلوثاً كبيرا حال وجودها في البيئة بدون معالجة، علاوة على احتوائها على المُغذيات وأبرزها النيتروجين والفسفور، وعند وصولها للبيئة المائية تتسبب في نمو الطحالب غير المرغوب فيها، وحال وجودها بتركيزات عالية تستنفذ الأكسجين الذائب في المياه، وتقضي على بعض الكائنات المائية كالأسماك نتيجة للاختناق، وتلوث المياه الجوفية، حال تسربها إليها.

 

وتابعت: أما المركبات العضوية فيمكنها أن تتسبب في استهلاك أو التحلل الذاتي للأنهار والمسطحات المائية الصغيرة، وعند نقص ونضوب الأكسجين تبدأ التفاعلات اللاهوائية داخل المياه مُسببة روائح كريهة وتزداد الجراثيم ومسببات الأمراض الأخرى.

 

وأشارت الخبيرة إلى أن المواد الصلبة الموجودة في مياه الصرف الصحي تُقسم إلى مواد صلبة عالقة وأخرى ذائبة والأخيرة لا يمكن فصلها بالترشيح، وهي طريقة المعالجة التي تستخدمها محطة مياه شرب الطوابية.

 

تجريم إلقاء المخلفات في المجاري المائية

يقول المحامي محمود صفوت، إن الممارسات السابقة مخالفة للقانون رقم 48 لسنه 1982 في شأن حماية نهر النيل والمجاري المائية من التلوث، وقد نصت المادة 63 أنه “يجب ألا تكون المخلفات الصناعية السائلة المعالجة والتي يرخص بصرفها إلى مسطحات المياه العذبة مختلطة بمخلفات آدمية أو حيوانية”، وقد حظر القانون صرف أو إلقاء المخلفات الصلبة أو السائلة أو الغازية في المجاري المائية إلا بعد الحصول على ترخيص من وزارة الري، وفقا لضوابط تحددها الوزارة، على أن يحدد الترخيص المعايير والمواصفات الخاصة بكل حالة على حدة.


وأضاف محمود، أن المادة الرابعة من اللائحة التنفيذية للقانون فرضت ألا تحتوى المخلفات الصناعية السائلة التي يرخص بصرفها إلى مجارى المياه على أي مبيدات كيماوية أو مواد مشعة أو مواد تطفو في المجرى المائي أو أي مادة تشكل ضررا على البيئة، موضحا أن المادة الثانية من القانون حظرت استخدام جوانب المسطحات المائية كأماكن لجمع المخلفات الصلبة أو التخلص منها أو نقل أو تشوين المواد القابلة للتساقط أو التطاير.

 

وكشف أن العقوبة المقررة للمخالفين هي الحبس مدة لا تزيد عن سنة وغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تزيد على ألفى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي حالة تكرار المخالفة تضاعف العقوبة، ويجب على المخالف إزالة الأعمال المخالفة أو تصحيحها في الميعاد الذي تحدده وزارة الري، وأناط القانون بوزارة الري تنفيذ أحكام القانون، وأن يكون لمهندسي الري الذين يصدر بتحديدهم قرار من وزير العدل بالاتفاق مع وزير الري صفة مأموري الضبط القضائي بالنسبة للجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون والتي تقع في دائرة اختصاصهم.

 

تم إعداد هذا التحقيق ضمن مبادرة MediaLab Environment، مشروع للوكالة الفرنسية لتنمية الإعلام CFI.  

إيهاب زيدان

إيهاب زيدان.. صحفي استقصائي مصري، يعمل في موقع المنصة المصري، متخصص في تغطية قضايا البيئة والتغيرات المناخية، حاصل على تدريبات وزمالات متخصصة في التغطيات البيئية والمناخية من مؤسسات دولية، أبرزها طومسون رويترز، وشبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية "أريج"، وأكاديمية DW والوكالة الفرنسية CFi. ، كما عمل "إيهاب" على تغطية قضايا البيئة والتغيرات المناخية في عدة منصات ومواقع إخبارية إقليمية ودولية، بينها تحقيقات استقصائية متخصصة في هذا المجال. حاز على جائزة التميز الصحفي من الاتحاد الأوروبي 2019، وجائزة المركز الدولي للصحفييين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى