مقالات

المخلفات الإلكترونية.. نفايات من ذهب

ساهمت ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تغيير حياتنا للأفضل، من خلال تصنيع أدوات ومعدات تساعدنا في تبسيط الحياة للبشر، وفوائد عظيمة تعود على المجتمع، لكنها تركت ورائها العديد من الأجهزة الإلكترونية المعطلة أو المستعملة والتي يقدر أعدادها بالملايين عالميًا، وسرعان ما تحولت هذه الأجهزة المستعملة إلى مخلفات الكترونية شديدة الضرر بالبيئة.

 

وتعرف المخلفات الإلكترونية بأنها المنتجات الإلكترونية بعد انتهاء عمرها الافتراضي، أو تركها دون تشغيلها لفترات طويلة، إذ يعد التخلص من النفايات الإلكترونية أصعب من التخلص من النفايات البلدية نظرًا لوجود مجموعة متنوعة من المعادن والمواد الكيميائية المستخدمة أثناء عملية التصنيع، بينما يمكن إعادة تدوير بعض هذه المكونات وإعادة استخدامها، إلا أن العناصر السامة الأخرى تحتاج إلى التخلص منها بعناية شديدة.

 

النفايات الأسرع نموا على الصعيد العالمي

سجلت النفايات الإلكترونية أسرع تيار نفايات نموًا في العالم، إذ تشير التقديرات إلى أن تيار النفايات هذا وصل إلى 48.5 مليون طن في عام 2018، وعلى الصعيد العالمي يتعامل المجتمع فقط مع 20٪ من النفايات الإلكترونية بشكل مناسب وهناك القليل من البيانات حول ما يحدث للباقي، والتي ينتهي معظمها في مكب النفايات، أو يتخلص منها عمال غير مهيئين في ظروف سيئة، ومع ذلك تبلغ قيمة النفايات الإلكترونية 62.5 مليار دولار على الأقل سنويًا، وهو ما يزيد عن الناتج المحلي الإجمالي لمعظم البلدان.

كما توقعت الدراسات أن يصل حجم المخلفات الإلكترونية العالمية التي سيتم التخلص منها إلى 74.7 مليون طن متري بحلول عام 2030، أي ما يقرب من ضعف المخلفات الإلكترونية في 16 عامًا فقط، بما يعني أن المخلفات الإلكترونية هي الأسرع نموًّا من بين جميع المخلفات الأخرى عالميًا، ومن المتوقع أن يرتفع متوسط نصيب الفرد من المخلفات الإلكترونية ليصل إلى 9.0 كجم لكل فرد خلال عام 2030 مقابل 7.5 كجم لكل فرد خلال عام 2020.

في مصر .. بلغ نصيب الفرد من المخلفات الإلكترونية 6-8 كيلو جرام

من جانبه أكد الدكتور ممدوح رشوان الامين العام للاتحاد العربي للشباب والبيئة، أن تجربة اليابان خلال دورة الألعاب الأولمبية الماضية، تم تصنيع 5000 ميدالية ذهبية وبرونزية من خلال إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية وتسليمها كجوائز للفائزين بالدورة، عدا جمع مليون وستمائة ألف جهاز م المخلفات الإلكترونية وهذا نموذج نجاح، علينا جميًعا تكراره في كل المناسبات.

وتابع “رشوان”، خلال كلمته بالمؤتمر الدولي للمناخ الأخضر والإدارة الذكية للمخلفات، الذي أٌقيم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة: أن قضية المخلفات الإلكترونية قضية هامة للغاية بالنسبة لمصر، ولدينا الآن 88 ألف طن سنويًا من المخلفات الإلكترونية، إذ تعتبر مصر الأولى إفريقيًا في إنتاج المخلفات رغم أن مصر ليست دولة مصنعة للأجهزة الكهربائية لكنها من الدول المستهلكة للأجهزة.

وأردف “رشوان”، أن كل فرد في مصر لديه 6-8 كيلو جرام مخلفات إلكترونية وفقًا لتقرير حالة البيئة في مصر، وهذا بسبب ثقافة الكراكيب وثقافة الاحتفاظ بالأشياء القديمة، ومن العادات السيئة أنك تجد المواطن يحتفظ بأول هاتف قام بشرائه، ونحتفظ ايضًا بالبطاريات، وأدوات التحكم في أجهزة الألعاب الإلكترونية، ولا يعلم أن بخروج انبعاثات من الأجهزة حتى وهي لا تعمل.

ونصح “رشوان”، الحضور بضرورة مراجعة كل أجهزة المنزل القديمة وإعادة تدويرها أو تسليمها للمراكز والشركات المتخصصة، بهدف الحفاظ على البيئة، والتقليل من الانبعاثات العالمية للغازات المسببة في تغير المناخ.

 

شاب مصري يقود مبادرة لتدوير المخلفات الإلكترونية بالقاهرة

عمل شنوده إبراهيم على إدارة العديد من البرامج والأنشطة خلال عمله بعدد من الجهات المحلية والدولية، ومؤخرا قام بتأسيس وتصميم مشروع “روبابيكيا كول” لمناطق خالية من المخلفات الإلكترونية وتم دعمه من برنامج المنح الصغيرة / مرفق البيئة العالمية تحت مظلة مشروع ادارة المخلفات الطبية والالكترونية بالتعاون مع جمعية بيت علي الصخر للتنمية، حيث يهدف المشروع إلي التخلص الأمن من المخلفات الالكترونية، وأهمية إعادة تدويرها بطرق رسمية – والدعوة وكسب التأييد اتجاه دعم ثقافة التطوع لحماية البيئية وتبني قضايا المخلفات الطبية ومن خلال هذا المشروع تم اطلاق منصة “روبابيكيا كول” كآلية مجتمعية تهدف الي المقايضة المجتمعية أي استبدال المخلف الإلكتروني مقابل حصول المواطن علي سلعة أو خدمة مجتمعية، وإقامة عدد من الحملات الميدانية وندوات للمواطنين بهدف رفع الوعي.

إحدى المستفيدات تروي النجاح

تقول إحدى مستفيدات مبادرة “روبابيكيا كول”، انا من منطقة شبرا الخيمة (على أطراف مدينة القاهرة)، أنها تواصلت مع المبادرة، وهم يعملون على أخذ الأجهزة القديمة مقابل مفارش منزلية وكانت جيدة للغاية.

 

صحة البشر في خطر ولاسيما الأطفال والنساء

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية فإن النفايات الإلكترونية تحتوي على مواد ثمينة، مثل الذهب والنحاس، ويمكن أن تضر النفايات الإلكترونية بصحة البشر وبالبيئة إذا أعيد تدويرها على نحو غير سليم ودون توفير قدر كاف من التدريب أو الحماية أو البنية التحتية أو المعدات أو الضمانات، ويعتبر والأطفال خاصة عرضة للتأثر ببعض المواد السامة التي تحتوي عليها النفايات الإلكترونية أو التي تولدها أنشطة إعادة تدويرها، إذ يواجه العمال الذين ينقبون عن مواد نفيسة مثل النحاس والذهب خطر التعرض لأكثر من 1000 مادة ضارة، منها الرصاص والزئبق والنيكل ومثبطات اللهب المبرومة والهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات وغيرها.

وتهدف مبادرة منظمة الصحة العالمية بشأن النفايات الإلكترونية وصحة الأطفال، التي بدأ تنفيذها في عام 2013، إلى زيادة إتاحة الأدلة والمعارف؛ ونشر المزيد من الوعي بتأثيرات النفايات الإلكترونية على الصحة، ولاسيما صحة الأطفال، وقد نشرت المنظمة في حزيران/يونيو 2021 تقريرا عن الأطفال ومكبات النفايات الرقمية: التعرض للنفايات الإلكترونية وصحة الطفل، وهو أول تقرير يفصل نطاق النفايات الإلكترونية وتأثيراتها على صحة الطفل.

وخلص التقرير رصد أكثر من 18 مليون طفل في العالم، تتراوح أعمارهم بين 5 – 17 سنة، في القطاع الصناعي غير النظامي، الذي تعد معالجة النفايات قطاعا فرعيا منه، ويمكن أن يصنف نشاط إعادة تدوير النفايات الإلكترونية عمالة أطفال خطرة لأنه قد يؤذي صحتهم الجسمية والنفسية ونموهم، وقد أفيد عن وجود أطفال لا تتجاوز أعمارهم خمس سنوات يعملون في فرز النفايات الإلكترونية وتفكيكها وإعادة تدويرها بالعديد من بلدان العالم، كما تعمل نحو 12.9 مليون امرأة في قطاع النفايات غير النظامي علي الصعيد العالمي، مما قد يعرضهن للنفايات الإلكترونية السامة ويهدد صحتهن وصحة أجنتهن عند الحمل.

على الرغم من تكلفة عمليات إعادة التدوير المخلفات الإلكترونية إلا أن العمل عليها له مزايا كثيرة للغاية تتمثل في توفير الطاقة، حيث إن الطاقة المستخدمة في عمليات إعادة التدوير أقل بكثير من الطاقة المستخدمة في عمليات التنقيب عن المعادن، والحد من المخاطر الصحية والبيئية للمخلفات الإلكترونية نظرًا لاحتوائها على مواد سامة غير متحللة مثل الزئبق والزرنيخ، والمساهمة في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المسببة لتغير المناخ.

 

الحلول الممكنة

وفقا لعدد من الأبحاث المنشورة فإن هناك عدد من الحلول للاستفادة من المخلفات الإلكترونية والاستثمار فيها باعتبارها ثروة اقتصادية هامة وأزمة بيئية على الصعيد العالمي، ولعل أبرز هذه الحلول تتمثل في توفير مصانع متخصصة لتدوير النفايات الالكترونية وإعادة استخدامها بالطرق الصحيحة، القيام بحملات توعوية للمجتمع في بيان ضرر النفايات الالكترونية، واستخدام أجهزة الكترونية بمواصفات عالية الجودة وتجنب شراء الأجهزة المقلدة، والقيام بالصيانة الدورية للأجهزة الالكترونية والكهربائية الموجودة في المنازل، وتشجيع البحث العلمي في مجال التأثيرات التي تنجم من النفايات الالكترونية على البيئة والصحة، ووضع معايير واشتراطات للسلامة الصحية والبيئية للشركات المصنعة للأجهزة الالكترونية.

تم إنتاج هذه المادة بدعم من CFI ضمن برنامج ميديا-لاب البيئي

أحمد سبع الليل

صحافي ومدرب على صحافة المناخ مؤسس منصة المناخ بالعربي عضو مجلس الشباب العربي للتغير المناخي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى