مقالات

كيف تتغلب الدول العربية والافريقية علي الهدر في الغذاء

تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن العالم يفقد سنويا 1.3 مليار طن من الغذاء؛ أي ما يناهز ثلث الطعام المنتج للاستهلاك الآدمي، الأمر الذي يتسبب في أكبر خسارة للموارد، من ماء وتربة وطاقة وعمالة ورأس مال، وما استُهلك في الإنتاج من أسمدة ومبيدات، ووقود آلات النقل والتخزين، بالإضافة إلي أن الغذاء الفاسد يساهم في زيادة انبعاثات الميثان التي تعد الأشد ضررا وتأثيرا في تغير المناخ.

 

وتصل نسبة الفاقد في غذاء البلدان الفقيرة بالعالم العربي إلي 65% منه في مراحل الإنتاج الأولى، وما بعد الحصاد، والمعالجة والتجهيز، ويرجع ذلك إلى القيود المالية والإدارية والتقنية المفروضة على تقنيات الحصاد، والتخزين، ومرافق التبريد.

 

مسببات وصور الهدر 

يساهم سوء تخزين ونقل السلع الغذائية بالمنطقة إلى خسارة حوالي 15% من الحبوب، و30% من الألبان، و40% من الأسماك، و50% من الخضروات والفاكهة والأغذية سريعة التلف، كما جاء على لسان الهادي يحيى؛ المستشار الإقليمي للصناعات الغذائية والبنية التحتية بمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.

 

يؤدي هذا الفاقد إلى أن تكون دول المنطقة العربية هي الأكثر استيرادا لاحتياجاتها الغذائية في العالم، فتصل نسبة ما تستورده بعض الدول العربية منها إلى قرابة 40%، في حين تستورد دول أخرى نحو 90% مثل الإمارات ودول الخليج لعدم وجود مقومات الزراعة لديها، وكذلك ليبيا تستورد نحو 85% من احتياجها، أما مصر فقد بلغت وارداتها للوفاء باحتياجاتها من الغذاء نحو 45%.  

وإذا وضعنا الزيادة السنوية في تعداد سكان المنطقة، مع نقص الإنتاج الزراعي بسبب الجور على الأراضي الزراعية الناتج عن زحف المدن والتصحر، إضافة إلى تضاؤل إمدادات المياه، أصبحنا أمام مشكلة تتعلق بالأمن الغذائي العربي. 

 

إطار الحلول:

 ضرورة أن تأخذ الحكومات العربية، والقطاعان الاستثماري والتعاوني، إجراءات تعزز كفاءة سلسلة التوريد الغذائي، عبر دعم المزارعين والاستثمار في البنى التحتية والنقل، وعبر التوسع في تصنيع الغذاء وتعبئته وتغليفه.

  

على سبيل المثال، في إطار سعي الحكومة المصرية، إلى الاكتفاء الذاتي من القمح، جاءت زيادة توريده هذا العام، كاشفةً عن استفحال مشكلة عدم كفاءة صوامع التخزين أو كفايتها، ومن ثم مدى الاحتياج إلى تمويل مشروعات لإنشاء صوامع إضافية حديثة لتخزين الغلال.

 

وفاقد الغذاء في العالم العربي له شكل آخر يأتي من أنماط استهلاك الغذاء، خاصة في دول الخليج حيث يرتفع مستوى دخل الفرد؛ إذ يُفقد الغذاء في المراحل الأخيرة من سلسلة التوريد، عكس الحاصل في البلدان النامية.

  

إذ تشير دراسة عن استهلاك الطعام والفاقد منه بالكويت (سبتمبر 2012) إلى أن 52% من العينة المبحوثة (1300 أسرة كويتية ومن العرب المقيمين بالكويت) يشترون أكثر من احتياجاتهم من الغذاء، بينما 60% لديهم بالفعل طعام أكثر من احتياجاتهم، وأفاد 15% فقط أنه لا تفيض أطعمة على موائدهم.

  

هذه بعض مؤشرات الهدر في استهلاك الأسر للطعام، ولا تتوافر مؤشرات مماثلة عن حجم الهدر من الطعام في الفنادق أو المطاعم وقاعات الحفلات، وسائر أماكن استهلاك الطعام.

  

وفي مقابل إهدار الغذاء وزيادة مخلفات الطعام، فإن مفهوم “الاستهلاك المستدام”، يعني أن تفعل أكثر بما هو أقل، بما يعني ترشيد سلوكيات استهلاك الغذاء وتداوله، والوصول إلى مستوى حياة أفضل عبر حلول إبداعية لمشكلات الفاقد الغذائي.

 

كثير من السلع الغذائية يجري تداولها في الإطار الأهلي -خاصة الفواكه والخضروات- بشكل يفتقر إلى الفكر والآليات المتطورة في جميع مراحل التداول، من ثم تأتي أهمية التعرف على أفكار وتجارب أهلية، يمكن أن تعطي مفاتيح للإسهام في خفض المهدر من الغذاء، إلى جانب أدوار الحكومات والأفراد.

 

نماذج حيه تم تطبيقها:

من تلك التجارب: تجربة قرية شماس، إحدى أفقر عشر قرى في مصر بحسب أحد تقارير التنمية البشرية للمحافظات المصرية التي أصدرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالاشتراك مع وزارة التنمية المحلية عام 2003.

 

تعيش “شماس” على الرعي والزراعة القائمة على الأمطار، وعلى أرض هذه القرية الممتدة على مساحة 100 كم مربع، وتسكنها 299 أسرة، تنبت ثمار التين على ماء المطر، وتمثل 62% من مزروعات القرية، ويبيع تجارها 70% من المحصول، بينما يتركون 30% منه ملقى على الأرض؛ نظرا لصغر حجمه، وتدني قيمته الاقتصادية، ومن ثم يمثل هدرًا في أحد أهم الموارد الغذائية بالقرية.

 

دفع هذا الأمر الجمعية المصرية للتنمية الذاتية للمجتمعات المحلية إلى التدخل؛ لمساعدة أبناء القرية على استثمار ذلك المورد المهدر.

 

قام خبراء الجمعية ورئيسها الدكتور حامد الموصلي، الأستاذ المتفرغ بكلية الهندسة، جامعة عين شمس، بمساعدة أبناء القرية، بتعليمهم تقنيات تصنيع مربى التين، وأعانوهم على تخصيص حجرات خاصة بمنازلهم تلبي الشروط الصحية لعملية الإنتاج، وحصلوا لهم على شهادة اعتماد دولية لمطابقة هذا المنتج العضوي لمتطلبات السوق العالمي، حتى تمكنوا من تصديره. 

 

هذا النموذج يمكن إعادة تطبيقه للانتفاع بملايين الأطنان من الخضر والفواكه التي تنتجها الحقول العربية، وتُهدر لأنها غير مناسبة للبيع المباشر، وليس ثَمةَ دراسات دقيقة لتقدير تلك الكميات، والتي إذا أجريت، يمكن تأسيسا على نتائجها وتوصياتها وضع استراتيجيات لتصنيع هذه المحاصيل، مما يسهم في خلق فرص للعمل، وفي تحويل القرى العربية الفقيرة إلى قرى منتجة أكثر استدامة.

  

خلاصة القول

لحل مشكلة الهدر في الغذاء لدينا مسارات ثلاثة:

  • أولها: يرتبط بإصلاح منظومة سلسلة التوريد وتطويرها، وهو جهد يقع بالأساس على الحكومات، ويمكن أن يعاونهم في هذا الأمر القطاعين: الاستثماري والتعاوني.
  • ثانيها: يرتبط بتعديل نمط الاستهلاك داخل البيوت، ويتم عبر التوعية، وداخل المحال العامة لتداول الغذاء، وربما تجدي فيه حوافز مجتمعية للأكثر توفيرا منها. 
  • أما المسار الثالث: فهو تعليم الناس كيف يحسنون استثمار جزء من الفاقد، خاصة للسلع سريعة التلف، بتعليمهم تقنيات تجهيز الغذاء، وهو جهد يقع بشكل أكبر على المؤسسات الأهلية والتنموية.  

 

 

 

بقلم/ م: عمر صالح سليم مصطفي 

    • نائب رئيس لجنة الزراعة والثروة الحيوانية لدي المجلس القومي للدعم الزراعي وإدارة الازمات

    • عضو مبادرة السياسي الشاب

    • بكالريوس العلوم الزراعية تخصص علوم الغذاء (جامعة عين شمس)

    • دبلوم التغذية العلاجية

    • مدرب ومحاضر معتمد

    • اجتياز دورات مبادرة القادة الافارقة التابعة لاشراف الولايات المتحدة الامريكية في الريادة في الاعمال الزراعية

    • الريادة في تعزيز خدمة القطاع العام

    • الريادة في تنظيم وتعزيز بيئة العمل

    • اجتياز دورات معهد السلام التابع للولايات المتحدة الامريكية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى